Oktob
مدونين جددالأكثر مشاهدةأحدث المقالات
أ

• أكتب من نيوزلندا • درست التسويق في جامعة Auckland University of Technology - AUT

مدة القراءة: دقيقة واحدة

صديقي فارس المخطوف داخل الطائرة !!

Image title


التاريخ: ديسمبر ٢٠١١ - الوقت: الساعة الواحدة والنصف ظهراً. - المكان: مطار الملك خالد في الرياض.

صوت انطلاق الرحلة ، الجميع مصطفون لصعود الطائرة ، نظر إليّ وقال: " أحمد ..؟ " قلت: لا ، لكني وودتّ لو كُنت أحمد ! هذه الصدفه تكررت مرة أخرى ، حيث كان مقعده بجانبي تماماً ، في الجانب الأيمن الخلفي من الطائرة ..

نظر إليّ ثم همّ بالجلوس ..بضع دقائق ثمّ ارتفعنا عن سطح الأرض بعيداً حيث الغيوم تبدو في الأسفل !  ولقد كان ينظر للأسفل مرتجفاً .. اكتشفت بعدها أن لديه ارتباكاً ملازماً للطيران ! 

عاد مجدداً ليقول أنه ما زال يظن بأني أحمد صديقه القديم في المدرسة ! تحدثنا كثيراً بالأحاديث المكررة في كل لقاء بصديقٍ جديد ، ولكن الجديد هنا أنه وبالإضافة للغة العربية والإنجليزية فإنه يتحدث اليابانية أيضاً. 

نظرت إليه مندهشاً، من أين لك هذا يا فارس ! إنه لشيءٌ مدهش للغاية ، فعمرك لم يتجاوز الثالث والعشرون ولديك كل هذا ! ابتسم ثمّ أدار رأسه نحو حقيبته الصغيرة وأخرج لي جوازه الأمريكي بالاضافة للسعودي ، حيث كان مولده في ولاية انديانا في الولايات المتحدة الأمريكية.

تمتم قائلاً: الكثيرون يحسدونني على ذلك ! ، سكت قليلاً . . ثمّ قال: رغم ما منحني الله من أشياء رائعة إلا أنه حرمني شيئاً قد يكون أقسى من أن تتصوّر ! .. لدي مشكلة يا صديقي ! 

قلت: ماذا تقصد ؟ ، قال: لدي ما يسمى بالوساس القهري ! .. حيث لا أستطيع أن أبدو صامتاً وهادئاً ولو لوهلة .. الأفكار تقتلني ولا تدعني أطمئن وأعيش !

قلت ما ماهيّة تلك الأفكار؟ قال: إنها سلبيه وأخرى إيجابية .. لكنها تختلف عن الأفكار التي تفكر بها أنت !

يكمل قائلا: إنها أفكار تبدو تافهه وأعلم يقيناً بسخافتها لكنني لا أستطيع إزالتها وعدم التفكير بها ، فكل فكرة تجرّ ورائها فكرة أخرى أعظم منها !

صمتَ قليلاً وأمسك بالكرسي حيث صوتٌ هنا خرج في الطائرة ، قد تكون سحب هوائية أو اهتزاز بسيط أو شيء من هذا القبيل ! .. وقد كان وكلما خرج صوت صغير في الطائرة جرّاءَ ما تمر به من سحب وفراغات هوائية فإنه سرعان ما ينظر للأعلى خائفاً ، ولقد كنت أنظر إليه بذهول واستغرابٍ شديد .. نظر إليّ ثمّ ابتسم وأكمل قائلاً: تبدو رحلة أطول من العادة !

جلسنا نتحدث قليلاً عن حياته في أمريكا ، حيث مكث هناك مع عائلته ٨ سنوات واكتسب من خلالها اللغة الأولى التي يجيدها وهي الانجليزية. كان حديثه أشبه بالذي يخبرك عن أمر في غاية الأهمية والخطورة !

لم أكن أكترث لشيء سوى إخباري بما لديه وإخباره بما لدي ، حيث مدة الرحلة قرابة تسعَ ساعات ونصف ولدينا كل الوقت للنقاش وتبادل الأراء ! .. لقد حدثني عن دراسته وعن حياته .. حدثني عن أبيه وأمه ، حدثني عن النادي الذي يحبه كثيراً ، الآرسنال .. حدثني عن كل شيء !! لقد كان وكأنه يعرفني وأعرفه من قبل !

‏وإنه لشعور جميل حينما تحادث شخصاً لأول مرة ، والشعور الأجمل من ذلك هو أن تشعر أنه قريب منك رغم أنه جديد !

آووه .. لقد نسيت إخباركم بأنه يدرس في اليابان وهو ذاهب إليها بالطائرة ، حيث سنتوقف في سنغافورة ثم سيستقل هوٓ طائرةً أخرى .. أما أنا فأكمل طريقي لنيوزلندا.

تحدثنا عن التخصص فكان يدرس نفس التخصص الذي أدرسه (تسويق) ، وانتهت أحاديثنا في هذا الجانب .. حيث غلبه النعاس ثم راحَ في نوم عميق من على كرسي الطائرة. استندت على النافذة فاتحاً كتابي الذي اشتريته قبل مدة وبدأت قارئاً فيه مدةً ليست بالقصيرة ثم لم أشعر إلا وجيش النعاس يداهمني. ذهبت أنا الآخر في أحلامٍ متشابكة في النوم داخل طائرة كبيرة تحمل الكثير من الركاب ، والكثير أيضاً من عدم الراحة في الجلوس وقتاً طويلاً على الكرسي !

استيقضت على صوت المضيفة تقف بجانبي لتسألني إن كنت أريد وجبة دجاج أم سمك للعشاء ، الأمر الذي يثير استغرابي أحياناً في تلك الرحلات هو أنك قد تطلب وجبة السمك فتجيبك المضيفة بسرعة شديدة بأن وجبة السمك قد نفذت!!!  أحياناً أشعر بشكل طريف أن هؤلاء المضيفات يحسدونك على جلوسك في المقعد! فبينما هم يعملون بجهد وتعب في الطائرة في رحلة تستغرق ٩ ساعات كهذه ، أنت تنعم وقتها بنوم جميل بجانب الشباك! وعندما تحين لهم الفرصه يسألونك ذلك السؤال الغريب ليستمتعوا برؤية تعابير وجهك وأنت مُرغم على أخذ الوجبة الوحيدة المتوفرة حالياً..!! 

أما الأمر الأكثر غرابة في هذه الرحلة فهو رؤيتي للكرسي الفارغ بجانبي! نعم لقد كان صديقي الجديد جالساً هنا .. أما الآن فلست أدري أين ذهب!!

انتظرته  .. طويلاً طويلاً ، عَلّه يأتي ؟

لا أثر لذاك الصديق !! هل هو مخطوف؟؟

انتهيت من عشائي ثم استندت واقفاً أنظر حولي علّني أجده ، . . لا أثر !

ذهب وقتي ما بين قراءة ونوم وكتابة بعض التدوينات في جهازي ! وما زال المكان فارغاً بجانبي !

الساعة ٧:١٥ صباحاً ، صوت كابتن الطائرة يخبرنا بالوصول .. هبطت الطائرة في سنغافورة الجميلة ، كان وصولنا متأخر عن الوقت المعلن عنه. حملت شنطة الظهر ومعها الكاميرا ونزلت نحو صالة الوصول ..! فور وصولي كان يجب عليّ أن أسرع نحو الصالة الأخرى حيث رحلتي الثانية قد أعلن عنها .. وحيث أن المطار كبير جداً جداً .. كان عليّ أن أذهب الآن.

فجأة .. رأيت صديقي فارس صاحب الكرسي الفارغ ، فناداني وجاء مسرعاً .. قلت: أين ذهبت يا رجل ! قال: قصة طويلة دعنا نجلس هنا ! قلت: وددت ذلك لكن لا أستطيع .. أنا متأخر جداً، يجب عليّ  الذهاب .. وعلى إثر ذلك سألته عن كيفية أن نتواصل لاحقاً ، فسألني عن حسابي في الفيسبوك .. كنت مستعجلاً جداً ليس لدي وقت .. أعطيته حسابي ووعدني بأن يرسل لي طلب الصداقة في الفيسبوك.

ودّعته وداعاً حاراً .. فقال: لنا لقاء فكن قريباً ، قلت: أتمنى ذلك كثيراً .. صافحته ولوّح بيده نحوي .. ثم ذهبت مسرعاً !

انتهيت هنا مع قصته الغريبة وعباراته الأغرب !

بعد مدة بحثت عن حسابه في الفيسبوك ولم أجده ، يبدو أنه قام بإغلاق ذلك الحساب! لم يكن لدي أي وسيلة تواصل مع فارس غير الفيسبوك وقد اختفى أيضاً مثلما اختفى في الطائرة!!

أيمن،

تمت الكتابة في: 2012/9/12  - النشر: 15/9/2016


أ

• أكتب من نيوزلندا • درست التسويق في جامعة Auckland University of Technology - AUT

المزيد من الكاتب

هذه التدوينة كتبت باستخدام أكتب

منصة تدوين عربية تعتمد مبدأ البساطة في تصميم والتدوين