Oktob
مدونين جددالأكثر مشاهدةأحدث المقالات
خ

أهوى الكتابة ... أكتب الخاطرة والقصة القصيرة . .. كانت لي صفحة أشرف على إعدادها في صحيفة الجبل أسمها واحة النصف الأخر الأسبوعية بمدينة البيضاء ..

مدة القراءة: دقيقة واحدة

من سرق قلبي ؟

كنت مغمورة بوهج نور متدفق عندما شعرت بشيء حاد كالسكين ينغرس في صدري ، لم أنبين حقيقته إذ كنت في حالة انبهار شديدة ، بل كنت مصابة بحالة من الاندهاش أشبه بالشلل مصدرها ذاك النور المتدفق بوهج والذي غمرني دون سابق إنذار .

بدأ العرق يرشح مني في غزارة وسائل حار لزج الملمس يتدفق من صدري ، يغمر كل جسدي ويسفح على الأرض .

بصعوبة بالغة رفعت يدي الثقيلة المغمورة في السائل اللزج  لأتبين أنه دم وأنه حار جداً وأحمر قان أيضاً ، رددت في وهن .. دم ؟

حاولت انتشال جسدي ، حاولت النهوض ، لكن جسدي سقط مترنحاً .

كنت أرفض الاستسلام  ، أرفض أن يتحول جسدي الجميل إلى مجرد جثة باردة ، لكن وعيي بدأ يذوي شيئاً فشيئاً وأنا أتشبث بأشعة النور الخافتة وأسمع صوتا من داخلي يهتف بي أن لا تيأسي يختلط بصوت إنذار سيارة الإسعاف ورجع الصدى لصفير أنفاسي الأخيرة .

الأطباء ، الممرضون والممرضات والممرضون يهرعون إلى غرفة الإنعاش ، يلتفون حول سريري ، ألمح أمي في الخارج منكوشة الشعر ، تصرخ ، تلطم خديها ، أراها في ثياب البيت الملطخة ببقع الطبخ والدهن ، صوت عويلها يعلو على صوت سيارة الإسعاف .

الطبيب يهمس في أذن أقرب ممرضة إليه :

  • طعنة في الصدر، إيقاع النبض غير منتظم ، المريضة  فاقدة الوعي والإدراك .
  • ثم يشير إلى فريق العمل قائلاً :
  • باشروا الإنعاش فالنبض يتلاشى .

أحدهم تناول أنبوباً طويلاً أدخله برفق في فمي أسكت به زفير أنفاسي المتلاحقة بقوة ، صمت ثقيل بدأ يهيمن على غرفة العمليات التي نقلوني إليها على نقالة والطبيب يعلن :

  • جهزوا  حقن التخدير ، لا أمل ينتظر جسد هذه البائسة .
  • وأنا أعلن رفضي للاستسلام وأعلن غضبي واستنجد متعطشة لكل ذرة أكسجين في العالم  ، خطوات أمي المتثاقلة أخذت رويداً رويداً في التلاشي ، لا بد وأنها تجلس في باحة الانتظار ، صوت عويلها الذي أقلقني تحول إلى نحيب خافت ، متقطع ، يعلو ، ينخفض ثم يعلو ، لكنه يتسلل خلسة إلى أعماقي ، الطبيب يجس نبضي ويمط شفتيه قائلاً بأسى :
  • المسكينة !!

ثم يتناول مبضعاً ويحدث شقاً في الجانب الأيسر من صدري ، يمزق الشغاف الذي يغلف قلبي المصاب ، تمتد أصابعه الباردة ، تعبث في داخلي باحثة عن شيء ما ، تلتف في مهارة ودقة ورقة حول أشيائي الموجودة داخل القفص الصدري ، كنت أصرخ لكن صوتي بدا ضعيفاً واهناً لا يصل إلى أحد ـ استمرت أصابع الطبيب الرفيعة تجس أشيائي لكنه أخرج يده فجأة وجعل يهتف في من حوله فزعاً :

  • الصدر فارغاً !! .

   كانت نظراته تحمل كل فزع وخوف ودهشة العالم ، فيما يهتف بصوته المرتعش متسائلاً

- من سرق قلب المريضة ؟

غمغمة إثارة واندهاش تسري بين فريق العمل في غرفة العمليات الباردة .. الحيرة تلف الجمع المحتشــــــــــــــــــد حولي فيما يرتفع  صوت سيارة الشرطة يختلط بنواح أمي الذي بدأ يعلو من جديد ويمتزج بصوت مكبرات الصوت في غرفة البث بقسم طوارئ المستشفى

أية سيفونية رائعة تعلن عن أغرب وأطرف سرقة في العالم .. وبعد التحقيقات تقيد الحادثة ضد مجهول .. وأرفع يدي الثقيلة الممدة وسط الأشياء المبعثرة لذاتي وأتمتم

- المهم أن لا يتحول جسدي إلى مجرد جثة جميلة باردة بلا روح .

لا أحد يهتم للترميمات الجبارة التي أقوم بها كي أعالج نفسي وألملم شتاتها الممزق ... وإذ ذاك ألمح قفاز الطبيب مبقعاً بدمي ومرمياً على بلاط غرفة العمليات .. عندها أبتســــــم هازئة من هروب الطبيب وفزعه .. ثم أسير إلى حيث كانت تجلس أمي .. أحتضنها ونخرج معاً .. يبتلعنا زحام المدينة ويغمرنا ضوء الشمس التي بدأت تشرق من جديد .

.

            خيرية فتحي عبد الجليل /  ليبيا


خ

أهوى الكتابة ... أكتب الخاطرة والقصة القصيرة . .. كانت لي صفحة أشرف على إعدادها في صحيفة الجبل أسمها واحة النصف الأخر الأسبوعية بمدينة البيضاء ..

المزيد من الكاتب

هذه التدوينة كتبت باستخدام أكتب

منصة تدوين عربية تعتمد مبدأ البساطة في تصميم والتدوين