إن القرآن الكريم نبعٌ لاينضب من الحكمة والعقلانية. يزخر كتابنا المُنزّل بمواعظ وقصص فيها لنا عِبر. عندما يتحدث الله إلينا، فإن لغته جل جلاله تأتي إلينا متجددة الفِكر والرؤى! تأتي كنسمةٍ لطيفة تُجلي غُبار الهوى عن نفوسنا الضعيفة. تأتي مطبطبةً على قلوبنا، هاديةً لعقولنا، مسيرةً لنا. 

مما استوقفني من جمل قرآنية ( قل سِيرو في الأرض ). أراني وقفتُ وقفة حائر، لما المسير؟ ماذا في الأرض ليُرى حال المسير؟ 

وتذكرتُ على أثر هذه الآية ماقد قيل في الكاتب، بأنه يُصوّر تلك المواقف العادية بشيء غير اعتيادي، أي انه بالمجمل يرى في الأشياء مالايراه غيره. حينما يمر كاتب على وردة، لايكتفي بقول الوردة جميلة أو ذات رائحة شذية. بل يجعلُ من المنظر لوحة عرفانية تسمو بالروحانية. أو قد يجعلها ملحمة شعرية تُضفي على ليل المُحبين معزوفةً تنشر في الأجواء قبلات فرح وشوق. 

حينما ربطت بين الأمرين ظهر لي اهتديتُ لأمر نابع من أمر الله تعالى لنا بالمسير. في أمره لا إله غيره توجيه عظيم وموضوع حكيم. بتوجيه من ربّ الأرباب اهتدى المخلوق لسبيل للوصول لما خُلق له. حينما نسير في الأرض، نرى الخلق، ونبسط الرزق، ونكف الأيدي عن السؤال. 

الموهبة رزق، اهتدينا إليه بأمر الله. الكتابة موهبة والموهبة رزق والرزق يُوسّع الحال ويُغني عن السؤال. ولا أعني بذلك رزقاً وسعة بالشرط مادية! فالرزق أنواع والهبات والعطايا أبدع الله في تعددها. 

وحينما يُصبِح العبد غنياً بما وهبه ربّه، يستطيع أن يُغني أرضه. إذا سرتُ في الأرض وتأملت الشجر والمطر وجالستُ الناس وأقمت العدل وأزلت الجور ففي ذلك كله خير. وفي ذلك كله توظيف لإنسانيتي.

وفي الآية توجيه غير مباشر للعمل وعدم الركون للكسل فيُفضي بنا إلى الفشل. 

( قل سِيرو في الأرض ) ماهي إلا نصٌ توجيهي من ملك الملوك لخليفته المُستخلف في أرضه القائمة بأمره. مانحن إلا خلفاء وماعلينا إلا العمل بما عُلمنا. فيا من كلّفتنا أعنا!