عظم الله لكم الأجر.

أحسن الله عزاءكم. صبّر الله قلوبكم. مأجورين ان شاء الله.

عباراتٌ كانت ولا زالت تُردد في الفواتح في حال تعزية أهل الميت. لو تأملنا وضعنا قليلاً، لو مات شخصٌ مُقرّب وعزيز على قلوبنا، فإن هطول دموعنا تُعلن عن حالة الإستنفار. نبكي ونبكي، وكُلّ من يعلم بفاجعتنا يبكي معنا. ولكن لما نبكي؟ لما نحزن لمّا ينتقل عزيزٌ على قلبنا لحياة أخرى؟ حياةٍ مُقرّرة على كلّ فردٍ منا؟ أليس الموت نوعٌ  من أنواع الحياة؟ لن اتطرق لفلسفة الموت والحياة! فالموضوع يطول ولا الوقت ولا السطور تسع! 

لنُجب على السؤال، لماذا نبكي؟ لماذا نُقيم الفواتح على الميت؟ في الحقيقة نحن نبكي حالنا بعد الميت. نحن ننعنا أنفسنا أحياء بعد ميتنا، لاننعاه ميتاً بل ننعانا أحياء! 

نحن ننعى دُموعنا التي لن تُمسح بمنديل عطفٍ  ومحبة. ننعانا وقد آلت بنا الدنيا لغير مآل، وضاقت بما رحُبت بنا، ولمن نجد ظهراً نستند عليه، ولمن نجِد لهمنا مساحةً تمتد من كتفٍ أيمنٍ لأيسر. يؤلمنا حالنا بعد الميت. يؤسفنا بقاؤنا بعده. يُدمينا رحيله عنّا، عن شقوتنا وشقاءنا، عن فرحنا وأحلامنا!. أترى الأنانية ديدن النسلِ البَشري؟. نُحبُّ أنفسنا حدّ البُكاء على من أحزنوننا برحيلٍ لايد للراحلين فيه! 

وأحياناً يكون نعي الميت شكلاً من أشكال المحبة! نعم، المحبة. ترى العباءة السوداء متطايرة والدموع تتسابق عند زاوية العين والنساء يجتمعنّ ويركُضن. أم فلان فقدت وليدها، "مسكينة" ماتستاهل الله يصبر قلبها. تُدهشني قلوبنا التي تتآلف بالموت. تأسرني دموعي والغصة التي تزرع في حلقي أنغام حزن وتراتيل فقد، عندما تفقد صديقتي عزيزاً لها!. كيف يكون فقدها فقدي! لاأعرف الميت حتى أبيكه، ولكن يااللعجب!، أعرف أهل الميت فأبكيهم! أبكي حالهم وحزنهم!. تُدميني دموع ابنة فقدت والدتها تواً، تأخذ بمجامع روحي حينما تُفضي لصديقتها (تمنيتكم يمي، شوفو حالي 💔). أتلكئُ بحُزني عليها وأندبُ حظها، لاأنعى ميتتها، أنعاها حيةً بعدها، شاهدةً على غيابها، متجرِعةً الغصص من دونها! 

إنها الأنسانية، وقد تكون الأنانية. فنحنُ لاننعاه ميتاً ولكن ننعانا أحياء!