Oktob
مدونين جددالأكثر مشاهدةأحدث المقالات
ا

جعلتُ هذا الحساب صدقه جاريه لي ولكم ولجميع اموات الـمُسلمين،لعلهُ يُسعد احدهُم في قبره

مدة القراءة: دقيقة واحدة

سلمان الفارسي٢

شُغل الدهقان ذات يوم ببناءٍ له عن الخروج إلى ضيعته القريبه من "جَيّ" فدعا إليه ابنه سلمان، وطلب منه أن يذهب إلى الضيعة فيشرف على شؤونها ، وفرح سلمان بطلب والده أشد الفرح ، فقد كان يتمناه ، فهو يريد أن يغادر بيت النار الذي سئمه ، ويبتعد عن أولئك الرجال الذين عافتهم نفسه ، وأسرع فامتطى جواد والده الذي أوصاه قائلاً : لاتتأخر علي يابني ، وعُد إلي سريعاً ، فلست أصبر على فراقك . ثم شيَّعه بنظرات الحب والحنان ، إلى أن غاب عن ناظريه.

سار سلمان والسرور يملأ قلبه ، فقد شعر وكأنما خرج من سجن طال فيه مكثه ، أو كأنما أبلّ من مرض قد لزمه ، وتجاوز أطراف القرية ، ثم سلك طريقاً في سفح جبل تكسوه الأشجار الجميلة ، كان قد سلكه بضع مرات بصحبة والده ، وأهوى سلمان بسوطه على جواده ، يريده أن يسرع ليصل إلى ضيعة والده ، فيستمتع بجناتها ومياها ، ويقضي فيها هذه الفرصه النادرة التي حصل عليها.

وبينما هو في سيره ، إذا به يمر بجانب بناء لايشبه في طرازه أبنية أهل جيّ ، فلفت ذلك نظره ، فاقترب منه فإذا به يسمع أصواتاً جميلة تنبعث منه ، وترانيم رائعه تنساب إلى القلب انسياباً ، فتوقف عن سيره ليعرف حقيقة مافي هذا البناء الذي لم يلفت نظره من قبل ، وربط جواده في ظل شجرة قريبة ، ثم دخل في ممر ضيق قد سقف ، ثم أفضى إلى قاعة واسعة ، مرتفعة السقف ، ذات نوافذ علوية وسفلية ، وإذا فيها عدد من الرجال المسنين ، يلبسون المُسُوح السوداء ، قد طالت لِحالهم ، وغطوا رؤوسهم بالقلانس ، وإذا بهم وكأن الروح قد خرجت منهم لكثرة اجتهادهم في عبادتهم ، وقد اتجهوا جميعاً إلى بلاد الشام بينما نصب كبيرهم ورئيسهم لهم وجهه.

دهش سلمان لهذا المنظر ، فجلس خلف أولئك الرجال يستمع لترانيمهم ، ولم يعبأوا هم به بل تابعوا تلاوتهم بأصواتهم العذبة ، وجعلوا يتناوبون القراءة ، حتى إذا أتموا نسكهم ، قام إليه واحد منهم ، فسأله عن حاله ، فأخبره سلمان ، فأمسك بيده وجاء به إلى رئيسهم وقال له : سيدي ، هذا الغلام هو ابن دهقان "جيّ" دخل علينا فأعجبه حالنا وهو يريد معرفة مانحن عليه.

جلس سلمان بين يدي كبير الرهبان ، فأخذته هيبته ، وتكلم الشيخ الجليل ، فزادت هيبته في قلب الغلام ، واتجه إلى سلمان قائلاً:

ياغلام ، إن لك رباً ، وإن لك معاداً ، وإن بين يديك جنة أو ناراً إليها تصير .

وإن هؤلاء الذين يعبدون النار أهل كفر وضـلالة ليسوا على دين !!

ودهش سلمان للذي سمعه، ونفذت كلمات الرهبان إلى قلبه ، وسأل كبير الرهبان ببراءة: وهل لنا رب سوى النار؟

فأجابه: ربنا هو خالق الأرض والسماء ، وخالق النار والماء ، وخالق الجبال والأشجار ، وخالق جميع البشر ، وهو على كل شي وكيل، أما هذه النار ، فنحن نشغلها ونحن نطفئها ، فكيف نعبدها؟..

وسكت سلمان ولم يستطيع أن يرد على الرهبان شيئاً ، بل لقد أقنعه كلامه..بيد أن ذهنه بقي مشغولاً بما سمع من الرهبان عن الجنة والنار ، فسأله قائلاً: هذه الجنة والنار من أخبركم عنهما؟..

فأجاب الرهبان الكبير:

أنبياء الله ورسله .

وقال سلمان: ومن أنبياء الله ورسله؟.

اجاب الشيخ: هم بشر من الناس ، اصطفاهم الله وأكرمهم ، وأنزل عليهم كلامه ، وأمرهم أن يدعوا الناس إلى دين الله ، ويبلغوهم كلامه.

ثم ذكر له من مضى من الأنبياء والرسل حتى خلص إلى عيسى ، فقال : ثم بعث الله عيسى رسولاً، وسخر له ماكان يفعل من إحياء الموتى ، وخلق الطير ، وإبراء الأكمه والأبرص ..

وكفر به قوم واتبعه قوم ، وانما كان عبد الله ورسوله ، ابتلى به خلقه ، وماترك الناس حتى بشرهم برسول عظيم يأتي من بعده ونحن في انتظاره.

وفتح الراهب النصراني الصالح قلب سلمان على الهداية ، فأشرقت فيه ونورت جوانبه ، وأيقن أن هذا الدين خير من دين قومه،وأعلى شأناً فأعلن أمام الرهبان جميعاً أنه قد ترك دينه القديم وأنه على دينهم ، وهو يشهد أن الله إلٓه واحد لاشريك له ، وأن كل ماعداه مخلوقات له، وعبيد خاضعون لجلاله ، وأنه يؤمن بالآخره ومافيها من جنة ونار! وفرح الرهبان أشد الفرح لدخول سلمان في دينهم ، وظهر منهم سرور بالغ ، فازداد اعتقاد سلمان بصدقهم وإخلاصهم،وأقبل عليه كبيرهم يقول له :

ولكن ياسلمان ، أُوصيك بألا تجهر بدينك في قومك ، فإن ذلك يؤذيك ويؤذينا .

قال سلمان: وكيف ياسيدي ونحن على الحق وهم على الباطل!

واجاب الراهب: إنهم يرون العكس ..إن الكفر أبداً عدو للايمان ، فخفف عنا وعنك ، ولاتحملنا من الأمر مالا نطيق ،فنحن إنما هاجرنا إلى بلادكم فراراً بديننا ، من قومنا الذين غيروا وبدلوا.

قال سلمان : من إين انتم ياسيدي ، وأين أصل هذا الدين؟

فأجابه الراهب: نحن من بلاد الشام ، وهي أصل ديننا ، ولكن..ولم يتم الراهب كلامه ، وسكت سلمان ولم يُرِد أن يحمله على كلامٍ لايريده...يُتبع




١-المسوح: الكساء من الشعر

٢-النسك: العباده

٣-الأكمه: الأعمى



ا

جعلتُ هذا الحساب صدقه جاريه لي ولكم ولجميع اموات الـمُسلمين،لعلهُ يُسعد احدهُم في قبره

المزيد من الكاتب

هذه التدوينة كتبت باستخدام أكتب

منصة تدوين عربية تعتمد مبدأ البساطة في تصميم والتدوين