عصام الحاج علي
مرّت حياة عصام الحاج في منتصف السبعينات بتغيّراتٍ عديدة، كان الحاج علي ذو التاسعة عشر عامًا مغن صاعد وعازف قيتار في فرقة الروك البديل رينبو بريدج في بيروت، والتي تصدّر ألبومها الأول قوائم المبيعات، كما عُرف في لبنان أيضًا كيساريٍّ مشاركٍ في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت بعد عام من ذلك التاريخ، وفي سنة ١٩٧٦ هاجر إلى باريس كلاجيءٍ معدمٍ مطرودٍ من وطنه.
”لقد كان الأمر صعبًا، صعبًا جدًا، فباريس صعبة جدًا على المهاجرين، لقد كانت بيئة جديدة غريبة يصعب التأقلم فيها “ هكذا اختزل عصام اليوم تلك الفترة متحدثًا عبر الهاتف من بيروت، حيث يعد الآن موسيقاراً وكاتب أغانٍ معروف حول العالم العربي.
اتسمت بداية الحرب الأهلية اللبنانية عام ١٩٧٥ برواج المثالية ، ووجدت الطبقات الدنيا والطوائف الدينية المسحوقة (بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية التي كان مقرها جنوب لبنان) قوتها في الاتحاد ضد الطبقة المارونية المسيحية الحاكمة المدعومة غربيًا، وفي صيف ١٩٧٦ غزت سوريا لبنان نيابةً عن المارونيين، وقتلت الألوف، وحطمت بيروت، وللهرب من خطر الحرب، استصحب عصام زوجته وسافر بطيارة إلى قبرص أولًا من ثم إلى باريس.
قبل سنتين كان عصام مغني بوب على مشارف الشهرة، أما الآن فهو باحثٌ عن العمل في أحد المصانع، أو السوبرماركتات، أو أي مكان آخر. وجد عصام مسكنًا في مجتمع مهاجرين يتكون معظمه من الموسيقيين العرب، وهو ما أشعل داخله رغبة العزف والاعتزاز بالتراث.
يقول عصام: ”كنت أتساءل كثيرًا عن أثر الهروب من الحرب إلى ثقافة كهذه، وأتساءل عن جدوى وجودي“.
عندما كان يعيش في لبنان، استفاد عصام من موسيقى المنطقة، تبنى حركة البوب الغربية: بيتر قرين، جوني ميتشل، ويذر ريبورت الآن يعيد تجربة موسيقى بلاده في سياق مختلف تمامًا ”لقد جعلتني أنظر إلى أصولي بطريقة. مختلفة.“ يقول ”بدأت. الاهتمام بالموسيقى التقليدية، أحاول. أفهم. أكثر، بدأت أتذكر وهذا أعاد ولادتي من جديد.“ غاص في الموسيقى، عزف وتعلم من أصدقاه الجدد وأمضى وقت فراغه في كتابة أغان جديدة. أعطاه الهوس معنىً جديد، ولكن على حساب زواجه.
”قلت لنفسي، لم علي البقاء في باريس؟“ يستذكر عصام،. ”خسرت زوجتي، وعلى استكمال ما بدأت به في دياري، أرى إلى أين يتجه المجتمع، ولكن في الآن نفسه، بدأت بتجهيز تسجيلاتي.“
ادخر عصام ما يكفي من المال ليمضي يومًا في ستوديو تسجيلات برفقة أصدقاه الموسيقيين من فرنسا، الجزائر، وإيران، الذين نسيت أسماءهم بمرور الزمن، لكنه يتذكر على أية حال اسم روجر فهر، صديق لبناني من المهجر تحول إلى موجه له.
سجلوا الأغان الرئيسية (سبعة منهم) في جلسة واحدة، من ثم سجلوا أصواتهم عليها مع السانتور، لقد كان تاريخ جلسة التسجيل في مايو أو يونيو من عام ١٩٧٧ - لا يتذكر بالضبط متى، في اليوم التالي ودع أصدقاءه وعاد إلى بيروت حاملًا التسجيلات بيديه.
عنون ألبومه بـ ”مُسَلسَلات إلى جسد الأرض“، معناه ليس واضحًا كما يبدو، إذ تحمل كلمة مسلسلات معانٍ كثيرة، قالها شارحًا، ”يمكن أن تعني طريقًا للانتقال من مكان لآخر، يمكن أن تعني الترابط العاطفي والجسدي بشخص ما“
ذهبت معظم تسجيلات مسلسلات إلى جسد الأرض التي تقارب ٧٥ كاسيتًا إلى عائلته وأصدقاءه، ورفاقه الموسيقيين الذين أسهموا في مشروعه القادم، فرقة الأرض، والتي تصنف اليوم كفرقة لبنانية مؤسسة لحقبة الحرب الأهلية. (يعتبر ألبومهم الثاني الصادر بعام ١٩٧٩ ”أغنية“ مطلوبًا بشدة جامعي التسجيلات)، عام ١٩٨٠ انسحب من النشاط السياسي وسعى لتشكيل رؤية موسيقية أكثر ذاتية، تزوج مرةً أخرى وأنجب، وفي بداية التسعينات نال شهادة الماجستير في الفلسفة.
يعمل عصام اليوم في متجر مجوهرات صغير في بيروت، حاملًا معه قيتاره الذي لم يعزف على أوتاره منذ سنوات، ليقتات من حياته الموسيقية من خلال بيعه لألحانه على فنانين آخرين.
في ٢٠١٦، تعقبت هاوية البوب العربي والمالكة لتسجيلات حبيبي فنك في برلين جانس شتروتز عصام في بيروت، وتحدثوا حول حياة المغني ومسيرته، ليخرج لها عصام قرص سيدي لألبوم مسلسلات جسد الأرض صنعه له صديقه، وهو ما أحبته شتروتز، وطلبت منه مشاركتها قصته كلاجئ في أوقات عصيبة من المهجر.
قال: ألا زال الشريط لديك؟“ عصام مستذكرًا، ”قلت، نعم أظن أنه لدي، لذا وجدنا الكاسيت وبدأنا من هناك.
على الرغم من مرور الزمن، حتى بعد مرور أربعين سنة، بدت الموسيقى مذهلة جديدة ورؤيوية، قد لا تكفي لاستعادة أمجاد مسيرة عصام، ”أعتني بعائلتي،أعتني بمتجري، وأعمل على موسيقاي، هذا ما أقوم به.“، ولكن كشف عصام عن مجموعة من المقطوعات التي. يعمل عليها، ”لدي عديد كبير من المعزوفات الفاخرة،. فعلًا جيدة، انتهي. بما يقارب. ٨٠٪ منها.“ قد يسمع العالم المزيد من عصام.