Oktob
مدونين جددالأكثر مشاهدةأحدث المقالات
F
FADEL ABDELMAJID

"اللهم اهدني لما اخْتُلِفَ فيه من الحق بإذنك".

مدة القراءة: دقيقة واحدة

قبل أنْ تُفكِّرا في الزواج!

بسم اللّهِ الرحمن الرحيم.

المقدمة.

الحَمْدُ لِلّهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتَمِ النبيّين؛ وبعدُ:

فإنّ اللّهَ تعالى أعطى الشّبابَ قُوّةً عظيمةً، تدفعُه إلى الرغبة في الزواج؛ لتكوين أسرةٍ سعيدة، وإنجابِ ذرية طيّبة.

ولكنْ هذه القوّةُ الدافعةُ لا تكفي وحدها لإنجاحِ مشروعِ الزواج، بل لا بُدّ مِنَ الاستعدادِ والتخطيط له؛ حتى لا يكونَ مآلُه التّصدّعَ والفشلَ؛ ومَن أطْلقَ لنفسه العِنانَ، ولمْ يتحكّمْ في قوّتِه الدافعةِ، رمى بنفسه في متاهاتِ المسالكِ، وتحوّلَتْ أيّامُه إلى ليالٍ حَوالِك!

الفصلُ الأوّل: قبل أنْ تُفَكِّرا في الزواج.

لضمان إنجاح مؤسسة الزواج، لا بُدَّ للراغبَيْن في الزواج، من الاستعداد له بالأمور الآتية:

1- إصلاح الدين.

عليهما أنْ ينظراَ في دينِهما ويُصلِحَا ما فيه من خَلَلٍ؛ ولقد قال رسول اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلم-: (أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ) [متفق عليه].

ألاَ وإنّ في البيت قلبَيْن، إذا صَلَحا معاً صلَح البيتُ كلُّه، وإذا فسدا معاً فسد البيتُ كلُه!

وإذا صلح قَلْبا الزوجين، كانا من عباد اللهِ المُتّقين، وجعل اللّهُ لهما مِن كلّ ضيقٍ مَخرجاً، ومن كلّ همٍّ فرَجاً، ولكل مشكلة انفراجاً؛ مصداقاً لقوله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏) [الطلاق‏:‏ 2 - 3‏].

إنّ البيتَ الذي أُسِّسَ على الدين والتّقوى، خيرٌ من البيت الذي أُسِّس على حُبّ الدنيا واتِّباعِ الهوى؛ ولقد قال تعالى عن مسجد الضِّرار الذي بناه المنافقون: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة:109].

وبإصلاح دينِهما يمكن لهما أنْ يتناصحا فيما بينهما؛ قال الشيخُ العلاّمةُ أبو زهرة عند تفسيره لقوله تعالى (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ): "إنّ المؤمنَ في سَيْرِه إلى اللهِ قدْ يضعف ويتعثّر، وإذا كانت له زوجةٌ صالحةٌ فإنها -لا شك- ستكون له خيرَ معين للنهوض ومتابعةِ السير؛ والمرأة كذلك إنْ ضعُفت فإنْ كان لها زوجٌ صالحٌ فإنه سيُساعدُها على النهوض ومتابعة السير إلى طريق الجنة؛ وفي ذلك يقول الحقّ تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:71-72].

والزوجان الصالحان يَكُونان أهلاً لتَحَمُّل مسؤولية تربية أولادهما تربيةً صالحةً، ولقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].

قال القرطبي في تفسيره: "فعلى الرجل أن يُصلح نفسَه بالطاعة، ويُصلح أهلَه إصلاحَ الراعي للرعية... وعن هذا عبَّر الحسَنُ في هذه الآية بقوله: يأمرهم وينهاهم."

وعَنْ ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) [رواه البخاري ومسلم].

ومَن فرَّط في تربية أهله وأولاده فهو على خطر عظيم؛ فلقد روى البخاري ومسلم عن مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزنِيَّ رضي الله عنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ."

وأمّا إذا قام الزوجان بواجبهما، وربّيا أولادهما تربية صالحة، فإنه يُرفعُ عنهما الإثمُ والمسؤوليةُ، إذا اختار أحد الأولاد عالَم الرذيلةِ والفساد، أو طريقَ الانحراف والإلحاد؛ لأن القلوب بيد الله تعالى يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وما يضل إلا الفاسقين، قال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [البقرة: 272]، وقال سبحانه: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [القصص: 56].

وإصلاحُ الدِّين يجب أن يبدأ بإصلاح الصلاة، التي هي عمود الإسلام؛ لقول النبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلم: (رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعَمُودُه الصلاةُ) [جزء من حديث رواه الترمذي].

ولأنها أوّلُ ما سَيُحاسَب عليه الإنسان يوم القيامة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنّ أوّلَ ما يحاسبُ به العبدُ يوم القيامة من عمله صلاتُه) [جزء من حديث رواه الترمذي].

واجتنابُ كبائر الذنوب مطلوبٌ؛ لِيَدْخُلَ العبدُ في زُمْرةِ عِبادِ اللهِ الصالحين، قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء:31].

2- إصلاح الأخلاق.

وعليهما أنْ يُصلِحا خُلُقَهما، وأوّلُ خُلُق يجب أنْ يتسلّحاَ به هو الصبرُ؛ لأنّهما يحتاجان إليه لإصلاح دينهما، ويحتاجان إليه لتحسين أخلاقهما، ويحتاجان إليه عند البحث عن الشريك الصالح والمُناسب؛ وعليهما أن يُحسناَ معاملتهما لوالديْهما حتى ينالا رضا اللهِ، ويُوفّقَهما في حياتهما الزوجية بدعائهما لهما بالتوفيق والنجاح، فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) [رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وصححه الألباني].

قال الشيخُ العظيم آبادي عند شرحه لهذا الحديث: "(دعوة الوالد) أي: لولده، أو عليه، ولم يذكر الوالدة؛ لأن حقها أكثر، فدعاؤها أولى بالإجابة). [انظر: «عون المعبود» (4 / 276)].

ومن الأخلاق الجميلة: الحياءُ الذي يمنع المرء من الاعتداء على الآخرين، والصدقُ الذي يجعلك أهلاً للثّقة؛ والتواضع، والحلم، ومُجانبة الغضب إلاّ إذا انتُهِكت محارمُ اللهِ، وغيرُها من الأخلاق الحميدة، المُسطّرة في الكتاب والسُّنة النبوية المجيدة.

إنّ الأسرةَ هي اللّبِنةُ الأولى للأُمّة، وذهابُ أخلاقها يُهدِّدُ الأمّة بالضعف والضياع، قال الشاعرُ:

وَإِذَا أُصِيـبَ القَـوْمُ فِـي أَخْـلاقِهِمْ ** فَأَقِـمْ عَلَيْهِـمْ مَـأْتَمـاً وَعَـوِيـلاَ.

وإصلاحُ الأخلاقِ يحتاجُ إلى تدريبٍ ومُجاهدة؛ والرّفقةُ الصالحة خيرُ وسيلةٍ لاكتسابِ الأخلاقِ الفاضلةِ، والابتعادُ عن أهل السوءِ خيرُ وسيلةٍ للحفاظ عليها!

وأهمية الأخلاق تتبيّن في قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: جزء من الآية 19].

قال ابن كثير في تفسيره: "أي: طيِّبوا أقوالكم لهن، وحسِّنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)".

ولا يمكن أنْ تكون المعاشرة بالمعروف إلاّ من طرف رجل يخاف الله تعالى وذو أخلاقٍ حسنةٍ.

ثُمّ إنّ الدينَ والخُلُقَ مطلوبان بشِدّةٍ عند وقوعِ الخلافاتِ الزوجية، سواء انتهت بالطلاق أو بالوِفاق؛ قال تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) [الطلاق: 2].

ولذلك لمّا سأل رَجُلٌ الْحَسَن بن عليِ قائلاً له: "إِنَّ عِنْدِي ابْنَةً لِي وَقَدْ خُطِبَتْ إِلَيَّ فَمَنْ أُزَوِّجُهَا؟" أجابه: "زَوِّجْهَا مَنْ يَخَافُ اللَّهَ، فَإِنْ أَحَبَّهَا أَكْرَمَهَا، وَإِنْ أَبْغَضَهَا لَمْ يَظْلِمْهَا" [انظر: كتابَ «العيال» لابن أبي الدنيا (273/1)، و«شرح السنَّة» للبغوي (11/9)].

وأمّا الزوجةُ صاحبةُ الأخلاقِ العالية، فهي مصدرُ السعادةِ في الحياة الزوجية، وفي ذلك يقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ، وَأَرْبَعٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ: الْجَارُ السُّوءُ، وَالْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ الضِّيقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ) [رواه ابن حبّان وأحمد، وصحّحه الألباني].

ولذلك فإنّ النبيَّ -صلّى اللهُ عليه وسلم- رغّب في الزواج بصاحبة الدين، فقال -صلّى الله عليه وسلم-: ( تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَع:ٍ لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ؛ تَرِبَتْ يَدَاكَ) [رواه رواه البخاري ومسلم وغيرهما].

ومعنى الحديث -كما قال أهل العلم-: "أنّ النّاسَ -في العادة- يطلبون ويُركِّزون على هذه الخصال المذْكورة عند الرغبة في الزواج، والحديثُ يَحُثُّ على التركيز على صاحبة الدين".

وهذا لا يعني عدم الاهتمام بالجمال أو أمورٍ أخرى كما يعتقد البعضُ؛ فلقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ النِّسَاءِ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْك) [جزء من حديث رواه النسائي].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كُنْتُ عِنْدَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟) قَالَ: لاَ. قَالَ: (فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِى أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شَيْئًا)" [رواه مسلم].

وعن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا خطب أحدُكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) [رواه أحمد وأبوداود، وحسّنه الأرناؤوط].

ولقد قال تعالى لرسوله: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا) [الأحزاب:52].

قال البغوي في تفسيره: "قوله -عز وجل-: (ولو أعجبك حسنهن) يعني: ليس لك أن تُطلِّق أحدا من نسائك وتنكح بدلها أخرى ولو أعجبك جمالها."

وقال القرطبي في تفسيره: "في هذه الآية دليل على جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها."

وفيه دليل على أن النبيَّ -صلّى اللهُ عليه وسلم- كان ينظر إلى محاسن من يريد الزواج منهنّ أو من تريد أنْ تهَبَ نفسَها له، ولم يكنْ ينظرُ إلى دينها فقط.

ويُؤَيِّدُه ما رواه البخاري ومسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: "أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا".

إنّ حبَّ الجمالِ فطرةٌ فُطِرَ عليها الإنسانُ، والإسلامُ دينُ الفِطْرةِ؛ ومن حقّ المرأة -أيضأ- أنْ تنظر إلى من يرغب في الزواج منها، وأن ترتاح إلى صورته ويميل قلبُها إليه، وإلاّ فإنها قد تبغضه بعد الزواج وتنفر منه حتى ولو كان ذا خلق ودين؛ فلقد روى البخاري في صحيحه: أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ -زاد ابن ماجه: لا أطيقه بغضاً- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اِقْبَل الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) .

ومعنى: "ولكني أكره الكفر في الإسلام"، أي: أكره أن أعمل الأعمال التي تنافي حكم الإسلام من بغض الزوج وعصيانه وعدم القيام بحقوقه، ونحو ذلك -كما بيّنه أهل العلم-.

ونُقِل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قولُه: "لا تُكْرهوا فتياتكم على الرجل القبيح، فإنهن يُحبِبْنَ ما تحبون" [رواه سعيد بن منصور في سننه، وابن أبي شيبة في «المصنف»].

3- تحسين الحالة المادية.

وعلى الراغب في الزواج أنْ يستعدّ له بتحسين حالته المادية؛ وليس من الضروري أنْ يصلَ إلى درجة الثراء والغنى؛ فلقد ثبت في حديث عن ابن مسعود رضي اللّهُ عنه، عن النبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلم- أنّه قال: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

وفي شرحه على «صحيح مسلم» ذكر الإمام النووي أنّ الباءةَ هي: "مُؤْنَة النكاحِ، سُمِّيَتْ باسم ما يُلازمها، وتقديره: من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع فليصم".

وجاء في الجواب عن السؤال- 181556، بموقع (الإسلام سؤال وجواب ) للشيخ محمد صالح المنجد قوله: "فحديث ابن مسعود خطاب لعموم الشباب وعموم الراغبين في النكاح؛ لبيان أن النكاح لا بد له من مؤنة وكفاية حتى يستطيعَ الزوجُ القيام بما يجب عليه من النفقة والكسوة والسكنى.

والباءة هي مؤن النكاح، فأراد الشارع أن يبين هذا الأصل، وهو أن الزواج ليس مجرد عقد أو قضاء شهوة في حِلّها، وإنما هو مسئولية وتكليف ومحط قوامة الرجال على النساء."

وقال ابن دقيق العيد في «إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام»: "وفيه دليل على أنه لا يؤمر به إلا القادرُ على ذلك، وقد قالوا: من لم يقدر عليه، فالنكاح مكروه في حقه، وصيغة الأمر ظاهرة في الوجوب."

وبعضُ الدُّعاة الأفاضل يُشجِّعون الشبابَ على الزواج، ولو كانوا فقراءَ غيرَ قادرين عليه ماديا، ويستدلون بالأدلة الآتية:

* الدليل الأول: قوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور/32]؛ ولكن يُعارِضُه قوله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) [النور: جزء من الآية 33]، ويُعارِضُه أيضاً الحديث السابق (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة...).

ولقد اختلف المُفسّرون في الجمع بين الآيتين السابقتين، ورفعِ التعارضِ بينهما؛ ويرى ابنُ القيم أنّ قوله تعالى: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ليست وعداً بالغنى لكل أحدٍ تزوج، وإنما هي وعدٌ لِمَن ذُكِروا في الآية فقط، وهم: الأيامى، أي: النساء، والعبيد والإماء، فهؤلاء هم الذين يحصل لهم الغنى؛ أمّا النساءُ والإماء فيحصل لهن الغنى بنفقة أزواجهن عليهن، وأما العبد فيغنيه الله إما بالعمل والكسب، وإما بإنفاق سيده عليه. فقال -رحمه الله- : "فإن قيل : فقد قال الله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) وقال في الآية الأخرى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله)، فأمرهم بالاستعفاف إلى وقت الغنى وأمر بتزويج أولئك مع الفقر وأخبر أنه تعالى يغنيهم، فما مَحْمَلُ كلٍّ من الآيتين؟ فالجواب: أن قوله: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) في حق الأحرار، أمرهم الله تعالى أن يستعفوا حتى يغنيهم الله من فضله؛ فإنهم إنْ تزوجوا مع الفقر التزموا حقوقا لم يقدروا عليها وليس لهم من يقوم بها عنهم؛ وأمّا قوله: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) فإنه سبحانه أمرهم فيها أن يُنكحوا الأيامى وهنّ النساء اللواتي لا أزواج لهن، هذا هو المشهور من لفظ الأيم عند الإطلاق وإن استعمل في حق الرجل بالتقييد، مع أن العزب عند الإطلاق للرجل وإن استعمل في حق المرأة؛ ثم أمرهم سبحانه أن يُزوِّجوا عبيدهم وإماءهم إذا صلحوا للنكاح: فالآية الأولى في حكم تزوجهم لأنفسهم، والثانية في حكم تزويجهم لغيرهم. وقوله في هذا القسم: (إن يكونوا فقراء) يَعُمُّ الأنواع الثلاثة التي ذُكِرَت فيه، فإن الأيم تستغني بنفقة زوجها وكذلك الأمة، وأمّا العبدُ فإنه لما كان لا مالَ له، وكان مالُه لسيده، فهو فقير ما دام رقيقا؛ فلا يمكن أن يجعل لنكاحه غاية وهي غناه ما دام عبدا، بل غناه إنما يكون إذا عتق واستغنى بهذا العتق، والحاجة تدعوه إلى النكاح في الرق، فأمر سبحانه بإنكاحه وأخبر أنه يغنيه من فضله: إمّا بكسبه وإما بإنفاق سيده عليه وعلى امرأته، فلم يمكن أن ينتظر بنكاحه الغنى الذي ينتظر بنكاح الحر، والله أعلم". [انظر «روضة المحبين» ص317 - 318].

ولهذا فإنّ بعضَ أهلِ العلمِ يرون أنّ الزواج يكون مكروهًا لفاقد الحاجة والأهبة. [انظر: فيض القدير للمناوي (3/319)، الأشباه والنظائر (1/417)].

ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمةَ بنتِ قيس، -عندما ذكرت له أنّ معاوية وأبا جهم خطباها-: (أمّا معاويةُ فصعلوكٌ لا مال له). [رواه مسلم].

* الدليلُ الثاني: يستدلّون -أيضاً- بما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أتاكم من ترضون دينَه وخُلُقَه فزَّوجوه، إلاّ تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض) [أخرجه الترمذي].

وهذا فيه نظر؛ للأسباب الآتية:

أ- هذا الحديث يحث النساء على إعطاء الأولوية للدِين والخلق، وليس فيه نهيٌ عن النظر إلى القدرة المادية؛ قال المباركفوري في «تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي»: "(إلّا تفعلوا)، أي: إن لم تُزوِّجوا من ترضون دينه وخلقه، وترغبوا في مجرد الحسب والجمال أو المال".

وهذا الحديث يشبه الحديث الذي قال فيه النبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلم: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)، فهذا الحديث لاَ يُفْهم منه عدمُ الرغبة في الجمال أو المال أو الحسب، وإنما يعني البدء بالنظر إلى دين المرأةِ، قبل النظر إلى الجمال أو المال أو الحسب، إنْ رغِبَ في ذلك.

ب- جمهور الفقهاء يرون أنه يُشتَرط رضا المرأةِ عند الزواج؛ لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا) [رواه مسلم].

قال ابن حجر: "وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ (أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا): أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا أَمَرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَلَا يُجْبِرُهَا" [«فتح الباري» (9/ 194)].

وقال النّووي: "وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَقُّ بِنَفْسِهَا) يَحْتَمِلُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ أَنَّ الْمُرَادَ: أَحَقُّ مِنْ وَلِيِّهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ من عقد وغيره كما قاله أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُدُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِالرِّضَا؛ أَيْ: لَا تُزَوَّجُ حَتَّى تَنْطِقَ بِالْإِذْنِ، بِخِلَافِ الْبِكْرِ، وَلَكِنْ لَمَّا صَحَّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ تَعَيَّن الاحتمالُ الثاني. وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَةَ "أَحَقُّ" هُنَا لِلْمُشَارَكَةِ مَعْنَاهُ: أَنَّ لَهَا فِي نَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ حَقًّا وَلِوَلِيِّهَا حَقًّا وَحَقُّهَا أَوْكَدُ مِنْ حَقِّهِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا كُفُؤاً وَامْتَنَعَتْ، لَمْ تُجْبَرْ، وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ كُفُؤاً فَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ أُجْبِرَ، فَإِنْ أَصَرَّ زَوَّجَهَا الْقَاضِي." [«شرح مسلم» (9/ 204)]

وهذا يدل على جواز ردّ الخطيب الفقير المُعدِم وعدم قبوله، ولو كان ذا خُلقٍ ودِين!

ج- لقد أجمع علماء الإسلام على وجوب توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام وملبس ومسكن، وإن كانت غنية؛ لقوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 233].

وقال تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) [الطلاق: 7].

ولقد ذهب الامام مالك والشافعي وأحمد إلى جواز التفريق بين الرجل وزوجته لعدم النفقة، بحكم القاضي إذا طلبته الزوجة، وليس له مال ظاهر، واستدلوا لمذهبهم هذا بما يأتي :

• أنّ الزوج مكلف بأن يمسك زوجته بالمعروف أو يسرحها ويطلقها بإحسان، لقوله تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).

ولا شك أن عدم النفقة ينافي الإمساك بمعروف.

• أنّ الله تعالى يقول: (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا)، والرسول-صلّى اللّهُ عليه وسلم-: يقول: (لا ضرر ولا ضرار).

وأيُّ إضرار يَنْزِل بالمرأة أكثرُ من ترك الإنفاق عليها؟

• وإذا كان من المقرر أن يُفرِّق القاضي من أجل الغيب -أي: غياب الزوج عن زوجته لمدة طويلة- فإن عدم الإنفاق يُعد أشد إيذاءاً للزوجة وظلماً لها من وجود عيب بالزوج؛ فكان التفريق لعدم الإنفاق أولى.

ولقد ورد عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أنّه قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنِ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ.

قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا.

قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: قُلْتُ: سُنَّةً؟

قَالَ: سَعِيدٌ: سُنَّةً.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالَّذِي يُشْبِهُ قَوْلَ سَعِيدٍ سُنَّةً أَنْ تَكُونَ سُنَّةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [السُنن الكبير للبيهقي، كتاب النفقات، بَابُ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ، الحديث رقم 14659].

وثبت أن عمر بن الخطاب -رضي الله- عنه كتب إلى أمراء الأجناد، في رجال غابوا عن نسائهم؛ فأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا.

* الدليل الثالث: وهناك من يحتجّ على تزويج الفقير الذي لا يملك مَئُونَةَ الزواج، بما رواه أبو هريرة عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ) [رواه الترمذي].

وهذا الحديثُ لا حُجّةَ لهم فيه على ما ذهبوا إليه؛ لأنّ المجاهدَ لا يخرجُ إلى الجهاد إلاّ مُسلَّحاً، والمُكاتَبُ لا يُعْتَقُ إلاّ بعد دفعه للمال المُتفق عليه بينه وبين سيِّده -وهذا لم يعُدْ موجوداً في هذا الزمان- ؛ والذي يريد الزواج لا بدّ أنْ تكون عنده القدرةُ على النفقة كما ورد في الأدلة السابقة؛ فهؤلاء هم الذين وعدهم اللهُ بالمعونة؛ و الذي يريد النكاح لم يوصف في هذا الحديث بالفقر وعدم القدرة على النفقة!

ويُؤيّد كراهة الزواج لفاقد القدرة عليه مادِّياً، ما رواه البخاري تعليقاً، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ شَابٌّ، وأَنَا أخَافُ علَى نَفْسِي العَنَتَ، ولَا أجِدُ ما أتَزَوَّجُ به النِّسَاءَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلتُ: مِثْلَ ذلكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلتُ: مِثْلَ ذلكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلتُ مِثْلَ ذلكَ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بما أنْتَ لَاقٍ فَاخْتَصِ علَى ذلكَ أوْ ذَرْ.

ففي هذا الحديثِ شكا أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، للنّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- فقرَهُ وعدمَ قدرته على الزواج، فلم ينصحه بالزواج وانتظار الغنى والفرج؛ قال ابن حجر العسقلاني في كتابه «فتح الباري»: "وفيه إشارة إلى أن مَن لم يجد الصداق لا يتعرض للتزويج. وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به: ويؤخذ منه أنْ مهما أمكن المكلَّفُ فعل شيء من الأسباب المشروعة، لا يتوكل إلا بعد عَمَلِها؛ لئلا يُخالِف الحكمة، فإذا لم يقدر عليه وَطَّن نفسه على الرضا بما قدره عليه مولاه، ولا يتكلف مِن الأسباب ما لا طاقة به له. وفيه أن الأسباب إذا لم تصادف القدر لا تجدي!"

ولقد وردتْ آثارٌ وأحاديثُ تدور حول طلب الرزق عن طريق الزواج، ولكنها غيرُ ثابتةٍ؛ منها:

- قول ابن مسعود : "التمسوا الغنى في النكاح". [رواه ابن جرير الطبري في «جامع التأويل»].

- وقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : "أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى". [رواه ابن أبي حاتم في التفسير].

- وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "التمسوا الغنى في الباه". [رواه ابن أبي حاتم في التفسير].

- وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : "عجبت لرجل لا يطلب الغنى بالباءة، والله تعالى يقول في كتابه : (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النور/32].

- والحديث الذي رُوِيَ عن جابر بن عبد الله قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه الفاقة، فأمره أن يتزوج".

- وقول ابن عجلان: "أن رجلاً شكا إلى النبي صلي الله عليه وسلم الفقر، فقال: عليك بالباءة".

- وقصة الرجل الذي اشتكى إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الفقر وتزوج أربع زوجات، وفتح الله عليه باب الرزق بسبب زواج الرابعة! وهي قصة مكذوبة لا أصل لها.

- وما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : (التمسوا الرزق بالنكاح) .

- وما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (تزوجوا النساء؛ فإنهن يأتينكم بالمال) [ضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (3400) وأجاب على من صححه].

- وما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (تزوجوا فقراءَ؛ يغنكم الله).

الفصلُ الثاني: قبْل أن تبْحثَا عن الشريك.

بعد إصلاح الدين والخلق، والاستعداد للزواج مادِّيا -بالنسبة للرجل-، على الراغبَيْن في الزواج الإلمامُ بأمرين هامين:

1- الإلمام بالواجبات والحقوق الزوجية.

على الرّاغبين في الزواج أنْ يعلماَ أنّ هذه الأسرةَ الصغيرةَ، التي يحلُمان بتكوينها، قد وضع لها خالقُها وربُّها قوانينَ لِتُرفرفَ السعادةُ في سمائها، وتدومَ العشرةُ والمحبّةُ بين أفرادِها، ولحمايتها من المشاكل التي قدْ تُنغّصُ حياتها؛ فجعل حقوقاً وواجباتٍ لكلٍّ من الزوجين، ولأولادهما. وأكثرُ المشاكلِ الأسرية سبَبُها الجهلُ بهذه الحقوقِ والواجباتِ، أو تجاهلُها والإعراضُ عنها!

فلقد أوجب الإسلامُ على الزوج حقوقاً تجاه زوجته، وأوجب على الزوجة حقوقاً تُجاه زوجها؛ والفرق بين «الحقّ» و «الواجب» -كما قال الشيخ القاضي محمد أحمد كنعان- هو: أنّ "صاحبَ الحق يجوز له أنْ يتنازل عن حقه ويُسامح به، بل يكون بذلك مأجوراً؛ أمّا المُكلّفُ بالواجب فلا يجوز له تركُه إلاّ بإذنه". [انظر كتابه القيِّم «أصول المعاشرة الزوجية»، ص 153].

فعلى المقبلَيْن على الزواج الرجوعُ إلى الكتب الفقهية، أو بعض المواقع الإلكترونية؛ للإلْمام بالتفصيل بالحقوق الزوجية.

انظرا مثلاً: http://www.islamdoor.com/k/203.htm

و: https://youtu.be/lXUywoUUJ4w

2- الإلمام بِفَنّ التواصل.

ولتحسين فن التواصل مع الشريك، يُستحْسنُ دراسة:

أ) التكوين النفسي والخصائص الذاتية لكلٍّ من الذكر والأنثى، والاطلاع على الأبحاث التي تدور حول طريقة تفكير الرجل، وطريقة تفكير المرأةِ؛ حتّى يعرفَ كلُّ واحدٍ منهما طبيعته وطبيعة شريكه؛ انظرا مثلاً:

http://aliwaa.com.lb/صحة/كيف-يفكر-الرجال-أسرار-يجب-أن-تعرفها-المرأة/

https://mawdoo3.com/كيف_يفكر_الرجل_وكيف_تفكر_المرأة

ب) ودراسة (فن معالجة الأخطاء)؛ انظر مثلاً:

https://saaid.net/aldawah/103.htm

والبحث القيّم: (هل تنصح المرأة زوجها؟ وكيف؟)؛ للدكتور: محمد رشيد العويد.

ج) ودراسة (فن التغافل)؛ انظرا مثلاً:

http://mahkan.yoo7.com/t48-topic

وانظرا الكتاب القيّم: http://k-tb.com/book/Women00589-مهارات-التواصل-بين-الزوجين-؛ للدكتور عادل عبدالله هندي.

ويدخلُ في فن التغافل قولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) أَوْ (قَالَ:غَيْرَهُ)؛ [رواه مسلم].

ومعنى لا يَفْرَك، أي: لا يبغض.

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم-: "أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضهَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَه، وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا، بِأَنْ تَكُون شَرِسَة الْخُلُق لَكِنَّهَا دَيِّنَة أَوْ جَمِيلَة أَوْ عَفِيفَة أَوْ رَفِيقَةً بِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ."

وقال القاضي: "قَوْلُهُ: لَا يَفْرَكْ نَفْيٌ فِي مَعْنَى النَّهْيِ، أَيْ: لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُبْغِضَهَا لِمَا يَرَى مِنْهَا فَيَكْرَهَهُ، لِأَنَّهُ إِنْ كَرِهَ شَيْئًا رَضِيَ شَيْئًا آخَرَ، فَلْيُقَابِلْ هَذَا بِذَاكَ؛ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الصَّاحِبَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ عَيْبٍ، فَإِنْ أَرَادَ الشَّخْصُ بَرِيئًا مِنَ الْعَيْبِ يَبْقَى بِلَا صَاحِبٍ، وَلَا يَخْلُو الْإِنْسَانُ سِيَّمَا الْمُؤْمِنُ عَنْ بَعْضِ خِصَالٍ حَمِيدَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَهَا وَيَسْتُرَ مَا بَقِيَ."

الفصلُ الثالثُ: البحثُ عن الشريك.

1- البحثُ عن الشريك، والتريث لا ينافي القضاء والقدر!

نعم، الزواجُ قضاءٌ وقدرٌ، ولكن لا بُدّ من البحث والسؤالِ عن شريك الحياة وحسن الاختيار.

ويُستحْسنُ مُشاورةُ العقلاءِ والأخيارِ؛ وهذا لا يخالفُ التّوكّل على الواحد القهار، قال تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159].

قال أبو زهرة في «زهرة التفاسير»: "ولقد أمر سبحانه وتعالى بالتوكل بعد المشاورة وأخذ الأهبة، وأن يكون التوكل مصاحبا للعزيمة والإقدام على العمل، وإنّ ذلك يستفاد منه أن التوكل على الله تعالى حق التوكل، لا بد أن يقترن بالعمل، وأن يسبقه دراسة للموضوع من كل نواحيه، وإنّ التوكل بعد ذلك أمر لا بد منه؛ لأن العلم بالحق الأمثل من المناهج والأعمال عند علام الغيوب، فمهما يكن علم الإنسان فهو ناقص، فالتوكل عليه سبحانه فيه معنى الشعور بالنقص الإنساني مهما يظهر كماله، ولأن الله تعالى خالق الأسباب والمسببات، وهو القادر على تغييرها، أو جعل الأمور على غير ما توجبه أسبابها، فالتوكل عليه ضراعة وإحساس بالكمال المطلق لله تعالى وقدرته الشاملة الكاملة على كل ما خلق، وإن عدم التفويض مع العمل غرور من الإنسان، واستعلاء بغير سبب، وإنه مهما يدبر الإنسان فقد يخطئه التنفيذ".

وروى ابن حبان في صحيحه أنّ رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسولَ الله، أترك ناقتي وأتوكّل؟"، فقال له -صلّى اللهُ عليه وسلم-: (اعقِلْها وتوكّل).

وحُسـنُ الاختيار مطلوبٌ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الناسُ معادنُ كمعادنِ الذهب والفضة، خيارُهم في الجاهلية خيارُهم في الإسلام إذا فقهوا) [رواه البخاري ومسلم].

وينصحُ بعضُ أهلِ العلمِ والخبرةِ الرّاغبَيْن في الزواج "من النظر إلى أسرة الرجل أو المرأة بشكل جيد، إذ تلعبُ أسرةُ المَنشَأِ، دورًا مهمًا في تشكيل شخصية شريك الحياة؛ فالشخص الذي عاش في جوٍّ أُسري هادئ ودافئ، في حضن أبوين متحابين متآلفين، ومع إخوة وأخوات يتعلم معهما وبهما، معنى العيش مع آخرين، و هذا الشخص نتوقع نجاحه أكثر في الحياة الزوجية".

2- الحُبّ والزواج.

إنّ الحُبّ وحده لا يكفي لبناء أسرة طيبة، فلا بدَّ من النظر إلى الدين والخُلُق؛ قال العلاّمةُ الشيخ أبو زهرة في تفسيره «زهرة التفاسير» -عند تفسيره لقوله (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)-: "السبب في ذلك أن الزواج ليس علاقة وقتية، بل هو علاقة دائمة، وليس قضاء وطر عاجل يكون الإعجاب المجرد سببه، بل الزواج صلة مودة رابطة يلاحظ عند الإقدام عليه عوامل بقائه لا الدوافع المجردة إلى إنشائه...

إن الزواج اختلاط روحي، وشركة أدبية، وتعاون دائم على قطع لأواء هذه الحياة وشدتها، والبيت الزوجي في هذه الحياة اللاغبة الكادحة كالواحة في وسط الصحراء، يأوي الرجل إليها بعد التعب واللغوب، فلا يصح أن يكون مناط الاختيار هو الجمال ولا النسب فقط، ولا هما معا من غير أن يكون إيمانٌ وخلقٌ، واطمئنانُ نفسٍ وعلوُّ إدراكٍ وأمانة، وحسنُ عِشرةٍ ولطفُ مودةٍ."

وإذا وُجِدَ الحُبّ مع الدِّينِ والخلقِ، فإنّ الإسلامَ -عندئذ- يُشجع المُتحابَّيْنِ على الزواج، فلقد وَرَدَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لمْ نرَ للمتحابَّيْن مثل النكاح) [رواه ابن ماجه، وصححه البوصيري والشيخ الألباني].

ورواه البيهقي بلفظ: (ما رأيت للمتحابَّيْن مثل النكاح)، ومعنى الحديث: أن الرجل إذا نظر إلى المرأة وأحبها، فعلاجُ ذلك الزواجُ بها، قال المناوي في «فيض القدير» عند شرحه لهذا الحديث: "وأفْصَحُ منه، قولُ بعض الأكابر: المرادُ أن أعظمَ الأدويةِ التي يُعالَجُ بها العشقُ النكاحُ، فهو علاجُه الذي لا يعدل عنه لغيره، ما وجد إليه سبيلا."

 3- ماذا عن الزواج بالكتابية.

وقد يرغبُ بعضُ الشبابِ في الزواج من كتابية (نصرانية أو يهودية)؛ وهذا جائزٌ عند جمهور العلماء؛ فيجوز للمسلم أن يتزوج الكتابية إذا كانت مُحْصَنةً عفيفة، لا تمارس الفواحش، قال تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) [المائدة:5].

ولكنْ بعضُ العلماءِ يميلون إلى كراهيته، وبعضُهم يُحرِّمونه؛ قال الشيخ نوح علي سلمان: "يجوز للمسلم أن يتزوج من اليهودية وإنْ بقيَتْ على دينها وكذلك النصرانيّة؛ وذلك لقول الله تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) [المائدة/5]. هذا إذا لم يخف على دينه، أو دين أولاده من التأثُّر بعقائد المرأة اليهودية أو النصرانية؛ فقد نُنْهي المسلم عن الزواج بالمسلمة الفاسقة، إذا خشي على دينه أو دين أولاده منها." [انظر: «فتاوى الشيخ نوح علي سلمان» (فتاوى الأحوال الشخصية/ فتوى رقم/39)].

ويجب أنْ نُذكِّرَ أنّ الكتابيةَ التي كان يتزوجها المسلم في عصر الخلافة، كانت من أهل الذمة، وتعيش في مجتمعٍ تحت حُكْمِ المسلمين، فلم تكن تُشَكِّلُ خطورة على دين زوجها المسلم وأولاده؛ أمّا اليومَ فلم تعد الكتابية من أهل الذّمة، وقد تشكّل خطورةً على زوجها أو على أولاده، خصوصا إذا كانت تعيش مع زوجها في دولةٍ غير إسلامية!

وانظر بحث «الزواج من غير المسلمة»، في: https://www.fikhguide.com/almbt3th/66.   

4 - صلاة الاستخارة.

وعلى الراغبَيْن في الزواج (الشاب قبل الخطبة، والمَخطوبة قبل الموافقة)، بالدعاء في صلاة الاستخارة؛ وصلاةُ الاستخارة سُنّةٌ، والدعاء فيها يكون بعد السلام كما جاء بذلك الحديث الشريف. وصفتها: أن يصليَ ركعتين مثل بقية صلاة النافلة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وما تيسر من القرآن؛ ثم يرفع يديه بعد السلام ويدعو بالدعاء الوارد في ذلك؛ ولقد كان رسول اللهُِ صلّى اللهُ عليه وسلم يُعَلِّمُ أصحابَه الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها، كما يُعَلِّمُهم السّورةَ من القرآنِ، وكان يقولُ: (إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فليركَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، ثم لْيقُلْ: اللهم إني أَستخيرُك بعِلمِك، وأستقدِرُك بقُدرتِك، وأسألُك من فضلِك، فإنك تَقدِرُ ولا أقدِرُ، وتَعلَمُ ولا أَعلَمُ، وأنت علَّامُ الغُيوبِ، اللهم فإن كنتَُ تَعلَمُ هذا الأمرَ -ثم تُسمِّيه بعينِه- خيراً لي في عاجلِ أمري وآجلِه -قال: أو في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري- فاقدُرْه لي ويسِّرْه لي، ثم بارِكْ لي فيه، اللهم وإن كنتَُ تَعلَمُ أنّه شرٌّ لي في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري -أو قال: في عاجلِ أمري وآجلِه- فاصرِفْني عنه، واقدُرْ ليَ الخيرَ حيثُ كان ثم رَضِّني به) [رواه البخاري].

الفصلُ الرابع: بعد الاتفاق وعند عقد القِران.

1- صحة عقد الزواج.

وحتى يصح عقد الزواج، فلا بدّ من توفر الأمور الآتية، وهي باختصار:

• أن يكون الزوجان خالِيَيْن من الموانع التي تمنع صحة النكاح، كالمحرمية من نسب أو رضاع ونحوه، وككون الرجل كافرا والمرأة مسلمة إلى غير ذلك.

• رضى كلّ من الزوجين.

• أن يعقد للمرأة وليُّها، ويُشترط في الوليّ: العقل، والبلوغ والحريّة، والإسلام، والعدالة (عند بعض العلماء) والذّكورة والرّشد.

• الشُّهود على عقد الزواج بحُضور شاهِدين من الرجال، ويشترط فيهما أن يكونا


F
FADEL ABDELMAJID

"اللهم اهدني لما اخْتُلِفَ فيه من الحق بإذنك".

المزيد من الكاتب

هذه التدوينة كتبت باستخدام أكتب

منصة تدوين عربية تعتمد مبدأ البساطة في تصميم والتدوين