أجذب هنا الفكرة بتحيّز شخصي، وهناك أكتبها بجدّيّة: http://ricomuha.wordpress.com/
لُطفية اللطيفة
يحضر الموت في ذهنك كل حين ليدفعك إلى الحياة، فإذا ما غفِلت عنه وتكاسلت عنها، باغَتك بأخذ أحد أحبابك، ليأخذ هذه المرّة الأستاذة الحبيبة لُطفية البكري.
مرّت على خاطري كثيراً في الآونة الأخيرة، ولم يهدأ تفكيري بها اليومين الأخيرين، وأؤنّب نفسي الآن أنّي لم أبذل جهدي لوصلها، لا الآن ولا بعد التخرج، بالرغم من أنّي أؤمن بالرسائل الإلهية، كل ما في الموضوع كان مجرّد إرسال رسالة قصيرة.
درّستني الأستاذة اللطيفة ثلاث مواد خلال مرحلة البكالوريوس في التّرجمة، جامعة الملك سعود، الأولى كانت الترجمة في المجالات الإدارية وكانت صبور على أسئلتي وتداخل المفاهيم عندي بالرغم من أنّي كنتُ أضع قاموس المصطلحات الإدارية أمامي أحياناً، وآخرها الترجمة في المجالات الزراعية حيث كانت تتماهى في شرح النّص إذ كانت أغلب النصوص عن الزراعة والنباتات، أي مما يتصّل بروحها، الطيّبة النقيّة العفوية، وكانت تتفقّدني دائماً لأنّي درستُ المادّة متقدمة عن خطتي الدراسية عاماً كاملاً، كنتُ الأصغر، وكانت من المواد الأصعب. كانت محاضراتها أوّل الصباح بداية الأسبوع، وآخر النهار ونحن نزدلف إلى نهايته.
نسيتُ مرّة جوالي في القاعة، أخذته معها للمكتب، لتتصل امي وترد عليها، معرفتها بي منذ عام ونصف أهلتها أن تخبر امي بكل شيء تعرفه عنّي. أخبرتني زميلة أنها حذرتها من أن تخبرني، ليكون درساً لي، كانت تنوي تسليمي إياه مطلع الأسبوع القادم.
تفوح رائحتها بالفل دائماً، الفلّ الذي يشبهها، الذي تشمّه إذا غضبت من ترجماتنا التعيسة، وإذا تبّسمت من ترجماتنا المضحكة، وإذا انشرحت لترجماتنا الرائعة. كانت تحضره معها مبكراً، وتفرك البتلات ليفوح عبيره في القاعة، كانت تقول: "بديّ إياكن تحبو الفل ويزكّركم فيي."
كانَتْ أوّل من أعطاني التوصية الأكاديمية لما بعد التخرّج، وأوّل أستاذة تعبّر عن "ألمها" للطالبة التي تتخذ طرق ملتوية لتنجز ما عليها من ترجمة، وأنّ ألمها هذا هو ما يدفعها لترفق بالطالبة فتعطيها فرصة للتراجع ثم، ولفرط رفقها تعرّفها بعواقب تلوّيها فتحيلها للإجراءات النظامية، لعلها ترتدع فلا تستمر فيما هي فيه فتراقب الله ثم ربّ عملها.
وهذا مما أرجو أني معي لمّا بدأتُ التدريس، عدا عن الفُل، وكم أتلهف أن تقترب طالباتي من التخرّج ليطلبنني توصية، فأكتبها كما كتبتها لي ا. لُطفية تأسيّاً بها، لُطفاً وعلماً.
رحلت الأستاذة الفاضلة لُطفية، رائحتها فُل، وروحها قُطن، إلى ما تُحب من صورة الآخرة لدينا: الجِنان الخضراء، كما نرجو لها برحمة الله وفضله وإحسانه على عباده..
خبر انتقالها إلى رحمة الله هنا
في السادس والعشرين من شّوال، لعام 1441 هـ