Oktob
مدونين جددالأكثر مشاهدةأحدث المقالات
F
FADEL ABDELMAJID

"اللهم اهدني لما اخْتُلِفَ فيه من الحق بإذنك".

مدة القراءة: دقيقة واحدة

نكاحُ المُتعة، وكشْفُ الأَغْطِيةِ عن الحقائقِ المَخفيَة.

الحمدُ لِلّهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على محمّد أشرفِ المرسلين، وخاتَمِ النبيّين، وبعد:

فلقد انتشرت ظاهرةُ العُنوسَةِ في العالم العربي؛ لأسبابٍ اقتصادية واجتماعية، فاستغلّت بعضُ المنابرِ حاجةَ الشبابِ والفتياتِ لإشباع غريزتهم الجنسية، وجهلَهُم بدينهم، وضُعفَ إيمانهم؛ وبدا لها أنّ هذه هي فرصتهم الذهبية، لدعوتهم إلى الارتباط عن طريق زواج المتعة؛ لإطفاء رغبتهم الجنسية، ومِنْ ثَمَّ جرّهم إلى الدخول في مِلّتهم!

والهدفُ من هذا البحثُ هو الرّدُّ على شبهات المُبيحين لنكاح المتعة، بالأدلة الدامغة؛ (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ، وَيَحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ).

الفصل الأول: تعريف زواج المتعة ومكان انتشاره.

1- تعريف: زواج المتعة هو أن يتزوج الرجل المرأة، بِمال معلومٍ، مدةً معيَّنةً -ساعة أو ساعتين، أو ليلةً أو ليلتين، أو أسبوعاً أو أكثر-، ويقضي منها وطراً؛ وينتهي النكاح بانتهاء مدّته من غير طلاق.

وهذا الزواج ليس فيه وجوب نفقة ولا سُكنى، ولا توارثَ يجري بينهما، إن مات أحدهما قبل انتهاء مدة النكاح.

وحسب هذا التعريف، فيمكن لأيّ رجل أن يمارس الجنس -وبكلّ سهولة- مع أي امرأة أو فتاة -ليست من المحرّمات عليه- رآها فأعجبته؛ إذ يكفي أن يذهبَ إليها، ويُعبِّرَ لها عن رغبته في التمتع بها مقابل بعض المال ولمدة معينة، وليس مطلوباً منه أن يسألها -كما يُفتي بذلك بعضُ علماء مَن يبيحونه-: هل هي متزوجة أم لا؟ ويمكن له أن يتمتع بعدة نسوة في نفس اليوم أو في نفس الأسبوع!

ومن كانت له ابنة أو أخت، وذهبت عند صديقتها وكان لها أخ، فيمكن لها -عوض أنْ تتمتع بالحديث معها- أن تتمتع معه، إذا رغب في ذلك وقَبِلَتْ!

ولهذا الزواج عدةُ مصطلحاتٍ -عند مَن يُبيحونه-، منها: المُتعة، وزواج المتعة، والزواج المؤقت، والزواج المنقطع، والنكاح المنقطع، والعقد المنقطع، والصيغة.

2- مكان انتشاره.

زواجُ المتعة منتشرٌ بشكل واسع في دولة إيران، حيث تتواجد فيها أكبرُ نسبة من الشيعة الإثني عشرية (وتُسمّى أيضا بالجعفرية، أو الرّافضة عند البعض).

وينتشر أيضا في العراق ولبنان، وفي بعض المناطق التي يتواجد فيها الشيعة الإثنا عشرية بكثرة.

وبدأ ينتشر في بعض البلدان العربية الأخرى -خصوصاً في الجامعات- بين الطلبة والطالبات؛ بعضُهم اتخذه ورقةً لاقتراف الزنا، وآخرون عندهم حبٌّ لخالِقهم وخوفٌ من غضبِه، ولكنْ نفوسُهم الأمّارةُ بالسوءِ تُنازِعُهم وتُرغِّبهم في تلبية غريزتهم، فيبحثون عن فتوى تُبيحُ لهم زواج المتعة حتى يريحوا ضمائرهم؛ فإذا وجدوها تمسّكوا بها دون أنْ يتأكّدوا مِن صحّتها أو شذوذها، ودون أنْ يسألوا عن القائل بها: هل هو من أهل الفُتْيا والتقوى، أمْ أنه من أهل الضلال والهوى؟

ولقد حذرنا النبيُّ -صلّى اللّهُ عليه وسلم- من دعاة الضلال، الذين يُضِلّون الناسَ بفتاواهم الباطلة، فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ) [رواه ابن حبان، وصحّحه الألباني].

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحذِّراً هؤلاء الدُعاة المُضلّين: (وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) [جزء من حديث رواه مسلم].

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "لا يزال الناسُ بخيرٍ ما أخذوا العلم عن أكابرهم، وعن أُمنائِهم وعلمائهم، فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا" [رواه البيهقي، والبغدادي في «النصيحة»].

وقال ابن سيرين: "إنّ هذا العلم دِينٌ، فانظروا عمّن تأخذون دينكم" [أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه].

3- سبب انتشار نكاح المتعة في إيران.

ولقد تساءل بعضُ الباحثين عن السّر الحقيقي، في الانتشار الواسع لظاهرة المتعة في إيران؛ فتوصّلوا إلى أنّ هذا النوعَ من الزواج كان منتشرا فيها في عهد الفرس، الذين كان موطنهم إيران، وبقي منتشرا فيها بعد دخولهم في الإسلام إلى يومنا هذا!

ويُهيمن الفرس على السكان الإيرانيين في الوقت الحالي، حيث يُشكِّلون نسبةَ 51% من العدد الكلي للسكان -حسب بعض الإحصائيات-، ويحتلون مناطق حضرية كبرى مثل أصفهان، وطهران، وشيراز، ومشهد، ويزد؛ ودولة إيران تعترفُ رسمياً بنكاحِ المتعة!

ويرى (Yanna Richard) في كتابه «الإسلام الشيعي» (L'ISLAM CHIITE) أن زواج المتعة: "أشبه بقصص ألف ليلة وليلة حيكت لإشباع رغبة الرجال الجنسية، وإنه ينحدر من أصل فارسي سابق للإسلام، ويبدو أنه لا يمارس حاليا إلا في إيران لاسيما في المزارات الدينية".

ودعم المؤرخ (س. ج. بنيامين) هذا الرأي في كتابه (بلاد فارس والفرس) حيث قال: "كان للمسلمين الشيعة الحق في عقد زواج مؤقت مع المجوسيات مما يدل بشكل مؤكد بأن أصلَ هذا الزواجِ الديانةُ الزرادشتية، وهو سابق للإسلام".

والثقافة الفارسية، قامت على الفساد والإباحية الجنسية؛ ف"عند الزرادشتيين يحق للزوج أو ربِّ العائلة إعطاء زوجته أو ابنته، من خلال إجراءات رسمية، رداً على طلب رسمي إلى أي رجل من قومه يطلبها كزوجة مؤقتة لفترة محددة. وفي هذه الحالة تبقى المرأة زوجة دائمة لزوجها الأصلي وفي الوقت نفسه تصبح زوجة مؤقتة لرجل آخر..." [انظر كتاب «المتعة الزواج المؤقت عند الشيعة»، ص 40، د. شهلا حائري، حفيدة المرجع الديني الإيراني آية الله حائري -وهي شاهدٌ من أهلها-؛ والكتاب رسالة دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة كالفورنيا في لوس أنجيلوس].

ويرى المؤرخُ (Rivers) في كتابه (Sociology and Psychology) أن "البشر -كما هو دارج- يمارسون ما يقومون به؛ لأنهم وجدوا آباءهم على ذلك".

وكلُّهم يقولون مثلَ قولِ الذين من قبلهم، الذين قال اللهُ فيهم: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ) [الزخرف: 22].

قال البيضاوي في تفسيره: "(بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أُمَّة وإنا على آثارهم مهتدون)، أي: لا حُجّةَ لهم على ذلك عقلية ولا نقلية، وإنما جنحوا فيه إلى تقليد آبائهم الجهلة؛ وال(أُمَّة) الطريقة".

ولذلك قال الشيخ الدكتور محمد أبوزهرة: "وهكذا نرى الشيعة كانت ظِلاًّ لكثير من أهواء وملل وأهواء قديمة، دخلت على المسلمين لإفساد الإسلام، أو تحت تأثير التربية والإلف، فدخلوا -أي:الفرس- الإسلام، ولم يستطيعوا نزع القديم." [محمد أبو زهرة، تاريخ الجدل، ص104 طبع دار الكتاب العربي].

وقال في كتابه «تاريخ المذاهب الإسلامية»، في مبحث (أسباب اختلاف المسلمين/ ص 13): "دخل كثير من أهل الديانات القديمة في الإسلام، فدخل الإسلامَ يهودُ ونصارى ومجوسُ؛ وكلّ هؤلاء في رؤوسهم أفكارُهم الدينيةُ الباقية من دياناتهم القديمة، وقد استولت على مشاعرهم، فكانوا يفكرون في الحقائق الإسلامية على ضوء اعتقاداتهم القديمة".

ويرى الدكتور طه حامد الدليمي أنّ الخلاف حول حكم نكاح المتعة، بين الشيعة الإمامية والسنة ليس -في حقيقته- خلافاً فقهياً، بل هو خلاف بين ثقافتين، وصورةٌ من صور الصراع بين حضارتين: الحضارة العربية والحضارة الفارسية! [الدكتور طه حامد الدليمي، «نكاح المتعة: نظرة قرآنية جديدة» ص74].

والحضارة الفارسية، كانت تُغلِّف زواج المتعة بالدين، وتزعم أنّ من يمارسه سيكسب رضا الآلهة، والمزيد من الحسنات. وكان يُطلق على هذا النوع من المتعة "البغاء المقدس". حيث يذكر المؤرخ Adward Westermarck في موسوعته (History of Marriage) بأن "البغاء المقدس كنوع من فساد الاخلاق كان يمارس تحت عَباءَة الدين، إنه تكفير عن الزواج من أجل إرضاء الآلهة".

ويضيف: "إن البِغاءَ المقدس وإقامة علاقة جنسية مع رجل دين، يُبَرَّر بأنه ذو مردود خير، ويشكل عنصرا مهما من طقوس العبادة لدى الشعوب القديمة وتعتبر المرأة فيه ملهمة ومقدسة"!

وللحفاظ على القدسية الدينية الفارسية لزواج المتعة، وضع الشيعة الإثنا عشرية أخباراً غيرَ ثابتةٍ في ميزان النقد العلمي، وصبغوها بصبغة إسلامية؛ فروَوا عن أبي عبد الله عليه السلام في قول اللّه عز وجل: ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) [ فاطر:2] قال: "والمتعة من ذلك" [وسائل الشيعة، 14/439].

وجعلوا المتعة من أركان الإيمان؛ فيذكرون أن جعفراً الصادق قال: "ليس منا من لم يؤمن بكرتنا -أي: الرجعة- ولم يستحل متعتنا" [وسائل الشيعة: 4/438].

وروَوا حديثاً عن الصادق أنّه قال: "إنَّ المتعةَ ديني ودينُ آبائي فَمن عَمِل بها عَمِلَ بديننا ومَن أنكرها أنكر ديننا، واعتقد بغيرِ ديننا" [مَن لا يحضره الفقيه» 3/366].

ورائحةُ الكذب تَفُوحُ من هذه الرواية؛ لأنّ المتعةَ هي دينُ الفُرْسِ وليست دِينَ العربِ!

ولكنْ، هَبْ أنّ المتعة كانت دينَ العرب، فهل هذه حُجّةٌ ودليلٌ على مشروعيتها؟ ألم يكن الخمر الذي حرّمه الشّرعُ من دين العرب؟

لا شكّ أنّ الذي وضع هذه الرواية، كان يتكلم بلسان دولة الفُرْس للحفاظ على المتعة المقدسة عندهم! 

ولتشجيع النساء على المتعة رووا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً جاء فيه: (قال الله عز وجل: إني غفرت للمتمتعين من النساء)! [مستدرك الوسائل، الجزء 14 ص 452].

وهذا يُفسّرُ استِماتةَ الشيعةِ الإثني عشرية في ردّ كلّ الأدلة، التي تأتي بها جميعُ الفرق الأخرى التي تُحرم زواج المتعة؛ بل إنهم يُحاولون نشره في أوساط المجتمعات غير الشيعية، بكلّ ما أوتوا من وسائل إعلامية وغيرها؛ وهذا ما جعل الشيخَ الدكتورَ يوسف القرضاوي يُحذِّرُ منهم، قائلاً في بيان له بعنوان «بيان للناس حول موقفي من الشيعة، وما قالته وكالة أنباء مهر الإيرانية، والرد على الشيخين فضل الله والتسخيري»: "كما حذَّرت من أمرين خطيرين يقع فيهما كثير من الشيعة، أولهما: سبُّ الصحابة، والآخر: غزو المجتمع السني بنشر المذهب الشيعي فيه. ولا سيما أن لديهم ثروة ضخمة يرصدون منها الملايين بل البلايين، وكوادر مدرَّبة على نشر المذهب، وليس لدى السنة أيّ حصانة ثقافية ضدَّ هذا الغزو. فنحن علماء السنة لم نسلِّحهم بأيِّ ثقافة واقية، لأننا نهرب عادة من الكلام في هذه القضايا، مع وعينا بها، خوفا من إثارة الفتنة، وسعيا إلى وحدة الأمة"!

وذكر موقع أخبار مصر، أن "فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب أكد استعداد الأزهر لعقد لقاء مشترك بين علماء السنة والشيعة، شريطةَ صدور فتاوى صريحة من المراجع الكبرى في العراق وإيران، تُحرِّم بشكل قاطع سبّ الصحابة وأمهات المؤمنين، وتُوَقّف محاولات نشر المذهب الشيعي في البلاد السنية".

الفصل الثاني: حكمُ زواجِ المتعةِ في الإسلام.

1- حكم زواج المتعة عند مختلف الفرق  الإسلامية.

زواجُ المتعةِ هو نوعٌ من الأنكحة الباطلة، التي عرفها العرب في العصر الجاهلي؛ ويذهب روبرتسون سميث في كتابه (الأنساب والزواج عند العرب القدامى) إلى أن "زواجَ المتعة عادةٌ قديمة مارستها بعض القبائل العربية أيام الجاهلية".

ويرى بعضُ الباحثين أنه انتقل إلى بعض القبائل العربية -كَتمِيم- من الفرس المجوس عن طريق التجارة والسفر.

وهذا الزواج حُرِّمَ في أوّل الإسلام بمكةَ المكرمة بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون: 5-7]؛ ثُمّ حُرِّمَ تحريماً أبدياً بالمدينة، بعد أن رخّص فيه النبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلم لظروف طارئة ومؤقتة؛ وقد بَيَّن الحازمي سبب إباحته أولا: فبعد أن روى بسنده عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قوله: "كنا نغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس معنا نساء، فأردنا أن نختصي، فنهانا عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء" [حديث صحيح: وهو بلفظ قريب من هذا في البخاري].

قال الحازمي: "وهذا الحكم كان مباحا مشروعا في صدر الإسلام، وإنما أباحه النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم للسبب الذي ذكره ابن مسعود، وإنما كان ذلك في أسفارهم، ولم يبلغنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أباحه لهم في بيوتهم، ولهذا نهاهم عنه غير مرة، ثم أباحه لهم في أوقات مختلفة حتى حرمه عليهم" [ الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، الحازمي، تحقيق: محمد أحمد عبد العزيز، مكتبة عاطف، القاهرة، د. ت، ص331].

ولقد اتّفق على تحريم نكاح المتعة الفرقُ الإسلامية الآتية:

• أهلُ السُّنة: وهم جمهور المسلمين المنتشرين في الأرض؛ وهناك إجماعٌ عند فقهائِهِم على تحريمها.

قال ابن المنذر: "جاء عن الأوائل الرخصة فيها، أي في المتعة، ولا أعلم أحداً يجيزها، إلاّ بعض الرافضة، ولا معنى لقول يخالف كتاب اللّهِ وسنة رسوله صلّى اللهُ عليه وسلم" [فتح الباري ج 9 ص 173].

وقال ابن العربي: "وقد كان ابن عباس يقول بجوازها، ثم ثبت رجوعه عنها، فانعقد الإجماع على تحريمها" [الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (ج5 ص132-133)].

وقال الجصاص: "وقد دلّلْنا على ثبوت الحظر بعد الإباحة من ظاهر الكتاب والسنة وإجماع السلف ... ولا خلاف فيها بين الصدر الأول على ما بيَّنّا، وقد اتفق فقهاء الأمصار مع ذلك على تحريمها ولا يختلفون." [تفسير الجصاص: 2/153].

وقال المازري: "انعقد الإجماع على تحريمه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المستبدعة، وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد ذكرنا أنها منسوخة فلا دلالة لهم فيها" [المعلم 2/ 131].

وقال الإمام القرطبي: "الروايات كلُّها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل وأنه حرم، ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها إلا من لا يُلتفت إليه من الروافض".

وقال القاضي عياض: "ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض." [صحيح مسلم بشرح النووي 9/181، وفتح الباري 9 / 173].

• والزيدية: و هي فرقة من فرق الشيعة، وأكثرُهم موجودون في اليمن، وهم قريبون من أهل السنة؛ وهي غيرُ فرقةِ اليزيدية أو الإيزيدية الضّالة، التي انحرفت عن الإسلام، وتُقدس يزيد بن معاوية وإبليس وعزرائيل! [انظر: حكم نكاح المتعة عند الزيدية في كتاب «الأحكام في الحلال والحرام» للهادي (1/444)].

• والإباضية -ويوجدون في سلطنة عمان-. [انظر: «كتاب فتاوى النكاح» للشيخ أحمد بن حمد الخليلي الإباضي].

• والشيعة الإمامية الإسماعيلية. [انظر: القاضي النعمان المغربي، دعائم الإسلام، ج 2، ص 181].

فهؤلاء كلُّهم يعتقدون أنّ زواج المتعة قد نُسخَ، وحُرِّم تحريماً مُؤبّداً؛ والفرقةُ الوحيدةُ التي أَحَلَّتْ هذا الزواجَ ولم تحرّمْه، وخرجت عن إجماع الأمة، هي الشيعة الإثنا عشرية، وهي تخالف بذلك الزيدية والإمامية الإسماعيلية، وهما فرقتان شيعِيَتان، كما ذكرنا سابقا. ومِن هنا، يتبيّنُ لنا خطأ مَن يظنّ أنّ جميعَ الشيعةِ يُحِلّون زواج المتعة!

2- لماذا خالف الشيعةُ الإثنا عشرية إجماعَ الأمّة الإسلامية.

إنّ الاتفاقَ الذي وقَع على تحريم نكاح المتعة، ليس اتفاقاً بين علماء السُّنة فقط، بل هو اتفاقٌ بين أهل السنة والزيدية والإباضية والإسماعيلية -كما رأينا سابقاً-؛ ولذلك فيمكن أنْ نَعُدَّ هذا الاتفاقَ بِمَثابةِ إجماعٍ للأُمّةِ الإسلامية على تحريم نكاح المتعة. ولكن لماذا الشيعةُ الإثنا عشرية لا يعترفون بهذا الإجماع؟ الجواب هو: أنّهم يعتبرون أنّ الإجماعَ ليس حجةً بنفسه، بل إنه كاشف عن رأي المعصوم! أي: أن إجماع العلماء -عندهم- ناشئ بسبب وصول الدليل اليهم عن طريق الإمام! أمّا كيف يصلهم هذا الدليل؟ وما معنى كون الإجماع كاشف عن رأي المعصوم؟ فهذا له تفسيرات مختلفة، لا يفهمها إلاّ منْ يؤمن بما يؤمنون به!

ولقد علّق العلاّمةُ الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني على إجماع الإثني عشرية بقوله: "ولست أدري كيف استساغ علماء الإمامية وأذكياؤهم هذا التناقض الواضح، إذ يعتبرون الإجماع كاشفا عن قول المعصوم، ثم يشترطون دخول هذا المعصوم؟! وإذا دخل المعصوم في الإجماع -بحيث كان قوله معروفا وثابتا- فأي كشف بقي للإجماع أن يقوم به؟! ثم إذا كان قول المعصوم حجة في ذاته فأي حاجة وأي قيمة للإجماع مع ثبوت قول المعصوم؟!"، انظر: «أصول الفقه عند الشيعة الإمامية: تقديم وتقويم»/ الدكتور أحمد الريسوني: جامعة محمد الخامس، الرباط، بموقع: http://www.edhh.org/wadiha/index.php/origines-de-la-jurisprudence-dans-les-chiites-imamates-presentation-et-evaluation

والغريبُ في الأمر هو أنّ تحريمَ المتعة مسطّرٌ -أيضاً- في كتب الشيعة الإمامية - بروايات صحيحة -عندهم- عن ائمتهم المعصومين:

• فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح المتعة ولحوم الحُمُر الأهلية يوم خيبر" [الأستبصار للطوسي ج 2 ص 142 وكتاب وسائل الشيعة للعاملي ج 21 ص 12].

قال الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، بعد إيراده هذه الرواية: "فإن هذه الرواية وردت مورد التّقِية وعلى ما يذهب إليه مخالفو الشيعة، والعلم حاصل لكل من سمع الأخبار أن من دين أئمتنا عليهم السلام إباحة المتعة، فلا يحتاج إلى الإطناب فيه"! [انظر: تهذيب الأحكام 7/251].

وهل يُعقلُ أنْ يوصفَ الإمامُ علي -رضي اللهُ عنه- بإخفاء الحق وبالجبن والخوف، وهو المعروف بالشجاعة، وتروي عنه الشيعة أنّه قال: "اتق الله وقل الحق، وإن كان فيه هلاكُك"؟

• وسئل جعفر بن محمد (الأمام الصادق) عن المتعة فقال: "ماتفعله عندنا إلا الفواجر" [بحار الأنوار للمجلسي -الشيعي- ج 100 ص 318]

• وقال علي بن يقطين: "سألت أبا الحسن(ع) (موسى الكاظم) عن المتعة فقال: وما أنت وذاك فقد أغناك الله عنها." [خلاصة الإيجاز في المتعة للمفيد ص 57، والوسائل 14/449- ونوادر أحمد ص 87 ح 199، والكافي ج5 ص 452]

• وعن المفضل قال: "سمعت أبا عبد الله (ع) يقول في المتعة: دعوها، أما يستحي أحدكم أن يُرَى في موضع العورة فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه؟! [الكافي 5/453، البحار 110، وكذلك 103/311، والعاملي في وسائله 14/450، والنوري في المستدرك 14/455].

• وعن عبد الله بن سنان قال: "سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال: لا تدنس بها نفسك!" ]مستدرك الوسائل ج 14 ص 455].

• وعن عمّار قال: "قال أبو عبد الله عليه السلام لي ولسليمان بن خالد: قد حرّمت عليكما المتعة" [الفروع من الكافي 2 / 48 ، وسائل الشيعة  14/450].

* انظر هذه الروايات في (أدلة تحريم المتعة من كتب الشيعة)؛ للدكتور حسين الحسيني.

والغرابةُ تشتدُّ إذا علمنا أنّ أئمةَ أهلِ البيت -رضوانُ اللّهِ عليهم- كانوا مجمعين على تحريمها؛ نقل هذا الإجماع السياغي -وهو أحد كبار علمائهم- في كتابه «الروض النظير» ج4 ص217 فجاء فيه: "وأمّا الباقر وولد الصادق فنقل في «الجامع الكافي» عن الحسن بن يحيى فقيه العراق أنه قال: "أجمع آل رسول اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلم على كراهية المتعة، والنهي عنها".

كما نقل إجماع جمهور الصحابة على تحريمها، وكذا إجماع فقهاء الأمصار بعد الخلاف.

ولا ندري سببَ تجاهلِ الشيعة الجعفرية لهذا الإجماع المذكور في مراجعهم، والذي لا شكّ أنّه -حسب تعريفهم للإجماع المقبول عندهم- إمّا كاشِفٌ عن قول المعصوم، وإمّا أنّ المعصوم كان داخلاً فيه!

ويبدو من خلال تناقضاتهم، أنّهم لا يريدون الاعتراف بأي إجماع -مهما كان مصدره- يُحرّم نكاحاً كان مقدّسا عند أسلافهم الفرس!

وإذا كان الإمام مالك يقول: "شَرُّ العلمِ الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس"، [ترتيب المدارك 184/1]؛ فإنّ الشيعة الإثني عشرية يقولون: "شرُّ العلمِ الظَّاهرُ الذي أجمع عليه المسلمون، وخيرُ العلم الذي يخرقُ إجماع المسلمين!"

وإذا عرفنا سبب خروج الشيعة الإثني عشرية عن إجماع الأمّة، وكيف يجادلون لدفع الحق، فهمنا السبب الذي يجعل علماءَ السُّنّةِ لا يأخذون مخالفةَ الشيعة الإمامية للإجماع بِعيْنِ الاعتبار.

إنّ مخالفتهم لأهل السنة سببُها عميق يصعب تجاوزه؛ فهُم يعتقدون أن الإمام علي -رضي اللهُ عنه- أولى بالخلافة من غيره من الخلفاء الراشدين -رضي اللهُ عنهم-، وهذا جعلهم يطعنون في عدالة الصحابة و يُكفِّرونهم -إلا نفراً قليلاً منهم- ويقولون: إن أبا بكر وعمر ونحوهما مازالوا منافقين، وقد يقولون: بل آمنوا ثم كفروا؛ ولا يأخذون بما روَوْا مِن أحاديث، ويطعنون في أئمة الأحاديث (البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم)، ويطعنون في الأئمة الأربعة المشهورين(أبي حنيفة ومالك، والشافعي وأحمد)، ويدّعون لأئمتهم العصمة، ويعتبرون أقوالهم كنصوص القرآن والسنة، ويعتقدون أنهم معصومون عن الخطأ والنسيان، وعن اقتراف الكبائر والصغائر!

يقول الدكتور أحمد الريسوني: "يختلف مفهوم السنة عند الإمامية اختلافا غير يسير عن نظيره عند أهل السنة، وأعني بذلك كونهم يُدخِلون في مفهوم السنة سُنّةَ الأئمة «المعصومين». فإذا كان أهل السنة يقصرون مفهومها على قول النبي وفعله وتقريره، فإن الإمامية يعتبرون من السنة جميع ما صدر عن الأئمة الإثني عشر من أقوال وأفعال وتقارير، إلا أن يثبت عندهم ما يقتضي التحفظ في بعض الأفعال والتقريرات التي قد تصدر عن الإمام إما تقية وإما لسبب خاص اقتضاها، بحيث لم يقصد بها التشريع وبيان الحكم. يقول الشيخ المظفر: «أما فقهاء الإمامية بالخصوص فلما ثبت لديهم أن المعصوم من آل البيت يجري قوله مجرى قول النبي من كونه حجة على العباد واجب الاتباع، فقد توسعوا في اصطلاح السنة إلى ما يشمل قول كل واحد من المعصومين، أو فعله، أو تقريره. فكانت السنة باصطلاحهم (قول المعصوم أو فعله أو تقريره)».

وهم يعتقدون أن الأئمة يتَلَقَّوْن عن الله بواسطة الإلهام، مثلما يتَلَقَّى النبيُّ عن طريق الوحي، وعلى هذا فالأئمة «هم أنفسهم مصدر للتشريع، فقولُهم سنةٌ، لا حكايةٌ للسُّنة»." اھ. [انظر: المرجع السابق (أصول الفقه عند الشيعة الإمامية: تقديم وتقويم)/ الدكتور أحمد الريسوني: جامعة محمد الخامس، الرباط، نفس الموقع السابق].

ويقول أ.د. عَبد السَّلام بن محمَّد الشُّويعر -أستاذ الفقه المقارن في كلية الملك فهد الأمنية بالرياض-: "وقد تكون المخالفةُ في الاستدلال، ومصادر التلقي والتشريع؛ كحال مَن ينكر الاحتجاج بأحاديث الآحاد مطلقاً، أو يقدح في عدالةِ الصحابة الرّاوِين للسنة والنّاقِلِين لها، أو يمنع مِن الاحتجاج بالإجماعِ مطلقاً. أو تكون المخالفة في طرق الاستنباط من النصوص ودلالات الألفاظ المتفق عليها؛ كمَن يعتقد في المعنى الإشاري الباطني، ونحو ذلك ... فمخالفةُ هؤلاء لا يُعتبر بها؛ للإجماع على عدم صحة المُستند في قولِهم، فإذا بطل الأصلُ وهو الدليلُ، بطل فرعُهُ وهو الحُكم ... قال أبو بكر الصَّيرفي (ت 330 ھ): "لا يُلتفَت إلى هؤلاء في الفقه؛ لأنهم ليسوا من أهله"؛ البحر المحيط للزركشي 4/468... ومِن تطبيقات هذه المسألة القولُ بجواز جمع الصلوات في الحَضَر، وجواز نكاح المتعة. فلا يجوز الأخذ بهذه الأقوال؛ لأنها غيرُ صحيحةٍ دليلاً، والخلافُ فيها غيرُ معتبر". اھ. انظر : http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=6411

ويرى الشيخ محمد علي السايس أنّه "كان لانفراد الشيعة في نزعتهم، وفي سوء ظنهم بمن يخالفهم في التشيع أثر في الفقه الإسلامي بينهم، وذلك أن الفقه عندهم وإن كان يعتمد على الكتاب والسنة، إلاّ أنهم كانوا يفسرون القرآن تفسيراً يتفق ومبادئهم؛ ولا يقبلون من الأحاديث، ولا من الأصول، أو الفروع شيئاً من قِبَل أهل السنة مهما كانت درجته من الصحة؛ ولا يأخذون بالإجماع كأصلٍ من أصول التشريع، ولا يقولون بالقياس: أمّا الإجماع فلأنّ الأخذ به يستلزم الاعتراف ضمناً بأقوال غير الشيعة من الصحابة والتابعين وهم لا يعتدون بأولئك في الدين. وأمّا القياس فلأنّه رأيٌ، والدين لا يؤخذ بالرأي، وإنما يؤخذ عن الله، ورسوله، وأئمتهم المعصومين." [نقلاً عن كتابه «تاريخ الفقه الإسلامي»: ص 120 بتصرف يسير/ دار الفكر، ط 1419ھ-1999م].

والشيعةُ الإثنا عشرية يرون عدمَ جوازِ العمل بما يُوافقُ أهلَ السُّنة ويُسمّونهم (العامة)؛ فعن محمد بن عبد الله قال: قلت للرضا عليه السلام: كيف نصنع بالخَبَرَيْن المختلفين؟ فقال: إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه، وانظروا إلى ما يوافق أخبارهم فدعوه! [انظر: «وسائل الشيعة» للحر العاملي» الجزء 18 ص85 - 86].

ولذلك فإنّ الأصوليّين الشيعةَ يلْجؤون عند تعارض الأخبار والروايات، وعدم إمكانية الجمع بينها، إلى تقديم الأرجح، من حيث السند أو اشتهاره بين العلماء، أو مخالفته لأهل السنة (ويسمونهم بأبناء العامة)، [انظر: مطهري، الأصول، ص 41].

وتعمّدُهم مخالفة أهل السنةِ، مسلكٌ يسلكونه لردّ كل النصوص التي لا تخدم مصالحَهم؛ وهذا قد يدفعُهم إلى التّمَسُّك بالأحاديث المَنْسوخَة، وعدم العمل بالأحاديث النّاسِخَة التي نسختها! وهذا من بين  الأسباب التي حَمَلَتهم على القول بحِلِّية نكاح المتعة، الذي نُسِخَ حُكمُ إباحتِه وحُرِّمَ إلى يوم القيامة، باتفاق جميع الفرق الإسلامية الأخرى؛ وهو الذي حملهم -أيضاً- على الاكتفاء بمسح الرجلين في الوضوء عوض غسلهما، مخالفين بذلك جميع الفرق الإسلامية الأخرى (أهل السنة، والزيدية، والإباضية): ذلك بأنهم لمّا وجدوا اختلافاً حول غسل الرجلين في الوضوء بين الصحابة، أخذوا بفتوى عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَأَنَس، التي تقول بمسح الرجلين -رغم أنّه قَدْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الرُّجُوع عَنْ ذَلِكَ-، ولم يأخذوا بفرضية غسل القدمين؛ لأنّ أهل السنة يعملون بها!

قال الحافظ ابن حجر: "وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَة وُضُوئِهِ أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ الْمُبَيِّن لأَمْرِ اللَّه، وَلَمْ يَثْبُت عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة خِلَاف ذَلِكَ إِلا عَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَأَنَس، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الرُّجُوع عَنْ ذَلِكَ، قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى: أَجْمَعَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَسْل الْقَدَمَيْنِ، رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور" [فتح الباري (1/320)].

وأمّا طريقةُ أهلِ السنّة في أخْذِ الحديث والأخبار عن الفرق الإسلامية الأخرى، فإنهم معتدِلون في ذلك، ويأخذون عنهم بشروط، ولا يأخذون من الشيعة الإثني عشرية، ويسمّونهم (الرافضة)؛ لأنّ تشيُّعَهم فيه غُلُوٌّ، عكس تشيُّع الزيدية -مثلاً- الذي ليس فيه غُلُو؛ ولقد بَيَّن ذلك الإمامُ الذهبي في «ميزان الاعتدال في نقد الرجال» (1|118) فقال: "لِقائِلٍ أن يقول: كيف ساغ توثيق مُبتدع، وَ حَـدُّ الثقةِ العدالةُ والإتقان. فكيف يكون عَدلاً من هو صاحب بدعة؟ وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صُغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرّف. فهذا كثيرٌ في التابعين وتابعيهم، مع الدِّين والورَعِ والصِّدق. فلو رُدَّ حديثُ هؤلاء، لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدةٌ بيِّـنة؛ ثم بدعةٌ كبرى كالرفض الكامل، والغلوّ فيه، والحطّ على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يُحتجّ بهم ولا كرامة. وأيضاً فما أستَحضِرُ الآن في هذا الضّربِ رجُلاً صادِقاً ولا مأموناً، بل الكذِبُ شعارُهم، والتقيّة والنّفاق دثارُهم؛ فكيف يُقبلُ نقلُ من هذا حاله؟ حاشا وكلاّ، فالشيعي الغالي في زمان السلف وعُرفِهِم: هو من تكلَّم في عُثمان والزّبير وطلحة ومعاوية وطائفةٍ ممن حارب علياً -رضي اللهُ عنه- وتعرَّض لسبِّهم، والغالي في زماننا وعُرفنا، هو الذي يُكفِّر هؤلاء السادة، ويتبرَّأ من الشيخين أيضاً؛ فهذا ضالٌّ مُعَثّر".

ومن القواعد المشهورة عند علماء أدب البحث والمناظرة، القاعدةُ التي تقول: "إنْ كنت ناقلاً فالصِّحَةُ، أو مدعياً فالدليلُ"؛ [انظر: «ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة» لعبد الرحمن حسن حبنكة الميداني (ص: 368، 381) دار القلم الطبعة الأولى 1395هـ - 1975م دمشق – بيروت].

ولقد شرح بعضُ أهل العلم هذه القاعدة، فقال: "كلُّ دعوى، لا بد من إقامة الدليل عليها، وإلا كانت مجردَ دعوى خَلِيَّةً عن البرهان، والدليل إمّا أن يكون نقلياً أو عقلياً، والمطلوب في النقلي تحريرُ صحته، وفي العقلي إظهارُ صراحتِه وبيانُ حُجّته: قال تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: 111]".

والشيعة الإثنا عشرية يختلفون عن السُّنة في مصدر التّلَقِّي -كما رأينا سابقا-؛ لأنهم لا يعتمدون على الأحاديث التي يعتمد عليها السُّنة (والغريب أنهم يرجعون إلى بعضها لتقوية حُججهم على حِلّّيَة نكاح المتعة؛ وذلك لكي تلقى القبول لدى شباب أهل السُّنة!)، ويختلفون معهم -كما رأينا سابقا- في أصول الاستدلال أيضاً؛ ولذلك فلا يمكن إقناعهم بتحريم نكاح المتعة، بل لا فائدة من مناظرتهم حول هذا النكاح؛ ولذلك فالمطلوبُ من علماء أهل السنة هو التركيزُ على دفعِ الشُّبُهات التي تُلقيها الشيعة الجعفرية حول تحريم المتعة؛ لإقناع شباب أهل السُّنة، بِحِلِّية هذا النكاح، ومِن ثَمّ جرّهم إلى التّشيُّع الجعفري؛ لأنّ تحليلَ المتعة لا يمكن أنْ يتمّ إلاّ عن طريق هدم الأصول والقواعد الأساسية، التي بُنِيَ عليها الفقه السُّني!

3- قواعد كلية لدفع شبهات الشيعة.

وهناك قواعدُ كلّية، مُستمدّةٌ من الكتاب والسُّنّة النبويّة، لا بدّ أنْ يتسلّح بها الباحث في المسائل الفقهية، قبلَ خوضِ غمار الترجيح بين الأقوال التي وقع فيها جدال ونزاع بين المذاهب الإسلامية؛ وهي المصباحُ المُنيرُ لِمن اختلطت عليهم الأمور، ولا يستطيعون الترجيح بين الأقوال؛ لضيق وقتهم أو لنقصِ ثقافتهم الدينية. وأهم هذه القواعد هي:

القاعدة1: (الدينُ يُحْتاطُ له).

(فقد تعترض الإنسانَ المسلمَ أمورٌ متشابهة، لم تتبيّن حِلِّيَتُها أو حرمتُها، أو لم تتبين درجات تحريمها، ... ، فإذا اعترضت المسلم هذه الأمور غير الواضحة، فإنه يلزمه فعل الأسلم والأفضل) [انظر: الميسّرُ في علم القواعد الفقهية؛ للأستاذ الدكتور نور الدين مختار الخادمي، ص 97].

والاحتياطُ حُجّة عند الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة؛ قال السرخسي: "والأخذ بالاحتياط أصل في الشرع".

وقال الجصاص: "واعتبار الاحتياط والأخذ بالثقة أصل كبير من أصول الفقه، فقد استعمله الفقهاء كلهم".

وقال الشاطبي: "والشريعة مبنية على الاحتياط والأخذ بالحزم والتحرز مما عسى أن يكون طريقاً إلى مفسدةٍ، فإذا كان هذا معلوماً على الجملة والتفصيل، فليس العمل عليه ببدع في الشريعة، بل هو أصل من أصولها."[الموافقات (6/119)].

وقال ابن تيمية: "وتمام الورع أن يعلم الإنسانُ خيرَ الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها" [الفتاوى لابن تيمية: (10/215)].

ورغم أن ابن حزم الظاهري يُعَدُّ من المعارضين لقاعدة (الأخذ بالاحتياط)، فإنه يرى أنه مشـروعٌ في حال تعارض الأدلة والأَمارات، وعدمِ ظهور أثر الرجحان، فـإنه تعـدّ هـذه الحـالة شُبْـهَة ينبغي اجتنابُهـا. [انظر: الإحكام لابن حزم: 3/6-4].

وقاعدة الاحتياط هاته، يُعملُ بها عند الشيعة الإثني عشرية أيضاً؛ فهم يرون أنّ "الاحتياط عند المكلّف المقلِّد هو: موقف يتخذه في حالتين:

الحالة الأولى هي: عندما يشك في حكم مسألة، ويتردّد شكّه بين الأحكام الشرعية الخمسة ک(الحرمة، و الوجوب...)، فلا يعلم أي الأحكام تتعلّق بمسألته، ويكون غير قادر على الوصول للعلم بذالك، ففي هذه الحالة يحتاط المكلّف ويأتي بما يبرئ ذمّته أمام المولى تعالى، فإن كان شكه بين الوجوب والإباحة مثلا، يأتي بالفعل، وإنّ كان شكّه بين حرمة الفعل وإباحته، فيتجنب الفعل". [اكتفينا بذكر الحالة الأولى فقط]

وتحريمُ نكاحِ المتعة من المسائل الفقهية التي اتفقت عليها جميع الفرق الإسلامية، باستثناء الشيعة الإمامية؛ ولكن لكثرة الشبهات التي أثارتها الشيعة الإمامية حول تحريمها، تحوّلَت عند بعض شباب السُّنّة إلى أمور متشابهة، لم تتبيّن لهم حِلِّيَتُها أو حرمتُها؛ ففي هذه الحالة؛ فإنه يلزمهم العمل بقاعدة (الدين يُحتاط له)، وفعل الأسلم والأفضل.

ومن فروع هذه القاعدة، القاعدةُ الآتية.

القاعدة2: (يُتشَدَّد في الفُروج ما لا يُتَشدّد في غيرها).

وتوضيحها: (أنه يُحْتاطُ في فروج النساء أكثر من غيرها؛ لأنها حدود الله، ولأنها ذريعة إلى شرٍّ مستطير أكثر من غيرها، لما يُخشى منها من اختلاط الأنساب، والانتساب للغير، وما يترتب عليه من دخوله على الأجانب، والميراث بغير حق ونحو ذلك.

فالأصل في الفروج ال


F
FADEL ABDELMAJID

"اللهم اهدني لما اخْتُلِفَ فيه من الحق بإذنك".

المزيد من الكاتب

هذه التدوينة كتبت باستخدام أكتب

منصة تدوين عربية تعتمد مبدأ البساطة في تصميم والتدوين