هنا فتي يسطر حروفا حمقاء ، لم يكف عنها حيث لم تتركه الوحدة طيلة حياته💔
المؤنسات الغاليات🖤
نبتة من نبات الأرض ، نبتة لامعة ساطعة ، نبتة تذهر دائما ، نبتة داخلها لا ينطفئ ، نبتة في صحراء شاسعة جراء قاحلة ، نبتة لا يُقال عنها جميلة بل هي نبتة الجمال ، لا يُعْرَف الجمال بغيرها.
ماء البيت الطيب ، دعابته ، مرحه ، سعادته ، كبريائه ، شرفه ، كرامته ورفعته.
ضياء أطل بنوره فازينت قلوب أسرة ، وتلألأت جواهر عيون أفرادها ، في حضرتها يأبي الجمال حضورا ، ويخشي الحياء وجودا ، ويهرول الحزن بعيدا.
حواء
حواء التي أينما حلت أوجدت جمالا وإبداعا ، أزالت حزنا وآلاما ، أرهقت ظنونا وأعداءا ، هزمت أوهاما وأوهانا.
حواء منزلنا وبالأحري زهرة بستاننا علي اختلاف مسمياتها.
حواء جدة ، حواء أم ، حواء خالة ، حواء عمة ، حواء زوجة ، حواء ........
هنا وبكلماتنا المتواضعة نستضيف حواء المغمورة بهجتها واشراقتها الوضاءة وحياؤها وجمالها وخفتها ورونقها.
هنا اختطفنا حواء التي فازت سرا وعلانية ، هنا حواء الشقيقة ، حواء الأخت.
أيتها الدمية الرائعة ، المتحدثة ، الناطقة ، المتواضعة ، باعثة الطمأنينة ، مرحبا
سريعا أحبائي نهرول لنروي جزءا بسيطا من مذاكرات ويوميات شاب في العشرين من عمره ، يسّطر كلماته تلك في طليعة يومياته مدونا :
" أختي ، شقيقتي ، أمي الثانية ، صديقتي ، محبوبتي وثروتي .
كانت تكبرني بعام ، جئت إلي الدنيا فلم أعرف أحدا ولم أملك أنيسا في طفولتي سواها ، وجدتها حين تقدمت بنا السنة رويدا تهتم لأشيائي ، تدفع عني غضب أمي ، وتدافع عني أمام أبي ، وجدتها تهتم حتي لتفاصيلي الصغيرة ، كانت طفولتي رائعة مميزة عن كثير لأجلها ومن أجلها وبأجلها.
لم يفارقني حديث أبي عن يوم مولدها الذي تمنيت رؤيته دوما ، ولا زلت أتذكره قائلا:
" كان يوما خالدا مخلدا في حياتي ، كان صريخها طبولا ، وبكاؤها أنهار من كوثر ، كان قدومها إلي الدنيا إعلانا لسعادتي ، فما إن وضعت بين يداي حتي راود عينيّ نورها وضياؤها ، أطل علي منزلي فزاد من بهجته ، حتي أن أمها كادت تظهر لها غيرة ، وحينما بلغ بها العمر كانت تحدث أمها وتقول:
" يا عزيزتي لقد اختطفت زوجك فأرجوا إياكي أن تتقبلي ولتبحثي عن محبوب غيره ... "
ربما كان أبي متيما مخلصا لزوجته وابنته ولابنه كذلك.
أتممت مرحلتي الإبتدائية ومن بعدها الإعدادية ، كانت دائرة أصدقائي صغيرة ولكن لم يتملكني شعور بالوحدة أو ما شابهه ، كانت أما لي من بعد أمي ، كانت تُحْضِر الطعام إليّ ، ترتب ملابسي ، تنظم فراشي ، كان النعاس لا يزورني إلا في حضرتها وبين حديثها ، كنت طفلها المدلل مهما بلغت السن بي ، وكانت دميتي المحناة المتوجة التي ألهو بها ومعها وإليها.
ومرت تلك المرحلة علي قدر من السرعة ، لكنها مرحلة البناء لا تستغرق وقتا كما هو التنظيم والترتيب والإبداع الداخلي للمبني.
ومع بداية مرحلتي الثانوية ، وبداية الوعي النفسي والنضج العقلي توترت حياتي لكنها دوما كانت لجانبي ، كانت أيامي أياما روتينية ، لكنه روتين مفضل ، فروتين يحمل في ثناياه فتاة لا يُعتد به روتيناً.
كنت أعود إلي منزلي عقب يوم دراسي شاق ، أعود لأجد زهرتي في مقابلتي ، تذهب لتعد الطعام فأقبلها وأهرول إلي صلاتي ، ومن ثم نتناول طعامنا سويا أو بصحبة والدينا في بعض الأيام طبقا لظروف الحياة العملية ، وعقب ذلك الطعام الذي ألقت من روعتها بين حباته يزور كل منا قيلولته الواجبة ، وبعد الأستيقاظ نلهو سويا بعض الشئ وسريعا يذهب كل منا لاحتضان كتبه وأوراقه ودراسته.
كنت حينها أنتظر دقات العاشرة بلهفة بالغة.
كانت دقات العاشرة كصوت المؤذن تدعو إلي الاجتماع فتجتمع العائلة ، تلتقطني فتاتي بين يديها ونصطحب والدينا لمشاهدة التلفاز ، وتداعبها أمي قائلة:
" أما للحياء والخجل أن يزورا قلبك يا فتاة ، ها أنتِ تخطفين محبوباي ، أما أن تتركي لي واحدا منهما ، أو أنك تتكرمين وتصرحي بانضمامي ..... "
وعقب انتهاء المسلسل اليومي يخيم النعاس بين جفون الزوجين فيذهب كلاهما إلي الفراش ويفر من جفون الصديقين فتهرول الفتاة لإحضار بعضا من الحلوي والمكسرات ونفترش فراشي ونتسامر سويا ، وحينها تقبض الفتاة علي هاتفي وهاتفها فتعلن تنكيس ضجيج العالم من خلالهما ، وتجلس أمامي وتخبرني قائلة :
" هيا يا عزيزي فكلي آذان صاغية ، هيا فأنا مشتاقة ومن مثلي لا يصح له الانتظار ، هيا فرواية صغيري اليوم تستحق الإنصات مثل يوم ".
كنت دوما كالنهر الذي يفيض أمامها ، والسيل الذي لا يعرف السكينة حين يري عينيها ، دوما أخبرها عن تلك الأشياء التي تحزنني ، وتلك المشاعر التي تراودني وترهقني وتنتاب قلبي ، أحدثها عن فتاة يراودني إعجاب لها ، أخبرها بتفاصيل يومي الزائل ، ما يُسر منه وما يغضب ، وأختم حديثي إليها حين أخبرها عن حبي وتعلقي بها.
وعلي الصعيد الأخر كانت هي الاخري تحدثني بتفاصيل يومها الممتلئ ، كلماتها الرائعة ، وأحداث يومها المميزة ، كانت تفيض بكل ما في قلبها ، وتخبرني به ، كانت تستشير صغيرها بكل تفصيلة من تفاصيلها ، لم يكن يعتريني ملل من حديثها قط.
وحينما بلغت من مسامعنا دقات الثانية عشر تنهض فتاتي من فوق الفراش ممسكة بيدي ، تجذبني ، وترشدني إلي الوضوء لقيام الليل ، فهي من علمتني الصلاة والمواظبة عليها ومراقبة الله ، وكانت حينها تخبرني قائلة:
" انهض يا فتي ، لا تتكاسل ، فلا أود أن ألقي الله بقيام الليل بمفردي ، يا فتي كنت ملازما لروحي في دنيا فانية فلا تبخل بأنسك في دار خالدة ، يا فتي لا أعلم عن شعور من لا يملكن شقيقا في دربهم ولكني تيقنت أنه شعور قاس مميت ، هيا فلتنهض "
كنت أنصت لكلماتها تلك صامتا مصغيا ، وأعقبها لأجدها علي سجادة الصلاة تنتظر إمامها ، فنصلي ونقيم ليلتنا ونأوي إلي النوم ، حيث يزورني النعاس حينها ، وتدرك هي من بعد ذلك فراشها.
وحين يخترق سمعها صوت مؤذن الفجر تهرول إلي جبهتي فتقبلني وتوقظني لقيام صلاة المؤمنين المتشبثين ، وتهب بعدها لاحضار الإفطار إلي أن يحين موعد يومي الدراسي الجديد فأقبلها وأذهب باحثا عن رواية يوم جديد."
لم يكن حديثي يسعني أن أخبركم علانية أنه من لا يملك أختا فقد سُلب كثيرا من البهجة والسعادة والسرور والسكينة، فلم تكن يوما مدعاة للألم والضجيج والثرثرة والكراهية ، بل كانت منبعا من كوثر ، منبعا للحنان والرحمة والسرور.
كانت صاحبة السمو والسعادة ضياءا ما خلفه ضياء ، بلغت من القلوب السرور كل السرور ، والحب كل الحب، نالت من الحزن علي مكروه يصيبها ما تشيب له الرؤوس.
تذهب إلي الخارج فيفتتك العالم ، وتعود إلي وطنك فتتولي هي إصلاح ذلك بفضل الله وتغدو أقوي.
فهنيئا لمن رزقه الله أختا.
هنيئا لمن فاز برضاها ، دعابتها ، مرحها ، وحنانها.
هنيئا لمن نال وطنا يستكين إليه ويأويه.
هنيئا لمن يفتح مقلتيه فلا يري إلا جمالا.
هنيئا لمن يُلقه العالم في بئر يوسف وتأتي أخته بقافلة العزيز.
هنيئا لمن وجد ضلعا أعوجا فرق به فرفق الله بهما.
هنيئا لك ببهجة قلبك ، وغزال عينك ، ودفء موطنك.
هنيئا لك بمجتلي عينك ، ومأوي قلبك ، ودرة عقلك ، وريحان جنتك.
هنا فتي يسطر حروفا حمقاء ، لم يكف عنها حيث لم تتركه الوحدة طيلة حياته💔