هنا فتي يسطر حروفا حمقاء ، لم يكف عنها حيث لم تتركه الوحدة طيلة حياته💔
غرفة العقل
ظاهرة أم وباء ؟ ، نعمة أم نقمة ؟ ، تحضر أم تخلف ؟ ، تساؤلات عدة تنبثق مع بزوغ كل صباح ، وتثور مع دقات الليل ، تثور ولا تهدأ ، تثور من أجل أشياء لا نعلمها ، حتي أننا لا نعلم ماهيتها.
هو شعور يري البعض مع توالي الأيام أنه أصبح ظاهرة ، ويعتقد القليلون أنه وباءا ، لكنه شعور تخلي عن ماهية الشعور نوعا ما وأصبح ظاهرة تستحق الدراسة ، لكن قبل بداية قصتنا فهو مهما بلغ لن ينل مبلغ الوباء.
هو ظاهرة انتشرت بين مختلف الأعمار ، رجالا ونساءا ، فتية وفتيات ، صبية وصبايا ، لكنه بلغ من شباب وفتيات المراهقة مبلغا شديدا ، مبلغا تشيب له الرؤوس.
نروي اليوم قصة عن شابين فيما بين السادسة عشر والخامسة والعشرين ، ينتاب كلا منهما شعور حزين ، شعور وحيد ، أطلقوا عليه الوحدة ، لكنها ليست بالاتحاد بل هي الفرقة.
سريعا مع الشاب الأول الذي يعيش في منزله البسيط بين أسرة مكونة من خمسة أفراد ، كان والده طبيبا ، ووالدته طبيبة ، وأخويه يصغرانه وشقيقته الكبري طالبة الصيدلة ، كان صديقنا يعاني شعوره بالوحدة وهذا كان أهم ما في الأمر ، كان يملك دائرة واسعة من الأصدقاء والزملاء ولكنه كان حين يخلو إلي غرفته لا يجد سوي ذاته التي أصبح غريبا عنها، كان شخصا اجتماعيا إلي حد كبير لكن شعور الوحدة كان يغالبه دوما ، كان يجلس بين يديه هاتفه اللعين، هاتفه الذي يتجول بين تطبيقاته ولا يملك القدرة علي أن يزيح هذا العبء عن صاحبه ، كان دوما ما ينتابه البكاء والنحيب الصامت علي وحدته وغربته ، وسريعا ما نالت منه الأزمات الصحية والنفسية والتي بدورها نالت من حياته الإجتماعية والتعليمية بل سُلبته الوعي والنضج و شيء آخر غفل عنه الجميع اليوم.
ظل يعاني ولا يشكو ، تتوالي عليه المصاعب والمشكلات ولا تنصت إلي أنينه ولا يخترق سمع أحد ضجيجه وتذمره ، لكن المطاف لم ينتهِ به إلي مصحة نفسية أو ما شابه ذلك ، لكن هذا الشعور أو دعونا نلقبه الظاهرة قد نالت من واقعه نيلا عظيما ، وجهت وحدته ضربة قاضية لتخيلاته ومستقبله وظل يعاني ، حتي الآن هو يعاني ، يكاد يكون يعاني وهو يقرأ حديثنا عنه ............
ونأتي إلي قطارنا السريع الذي حل بنا إلي منزل آخر مشابه لمنزل صديقنا الأول.
فنجد عائلة مماثلة لعائلته ، وشاب شتان الفارق بين شاب العائلة الأولي، كان شابا يصفه الناس وحيدا ، يزدريه الكثير ، ويخوض في عرضه كثير ، لم يكن يأبه لحديثهم.
كان دوما ما يطيل الخلوة إلي ذاته ، وإنما لم يكن شعور بل كان رغبة في الوحدة ، فشتان الفارق بين شعور الوحدة ورغبة الوحدة ، كانت دائرة زملائه واسعة ويمتلك أخري من الأصدقاء كحلقة من حلقات العلم في مساجدنا اليوم.
كان كما أخبرتكم يسعي للخلوة ويكثر من الجلوس في غرفته وحيدا ، لكنه لم ير في ذلك عائقا له عن استكمال حياته ، فلقد كانت حياته النفسية والعلمية والصحية كما هي في الشخص الطبيعي لا تختلف كثيرا ، كان يحب شعور الغربة ، كان يري في ذلك دافعا له للبحث عن الهدوء والسكينة والإبداع والتخطيط وغيرها من المعاني العظيمة التنموية.
صديقنا الذي نفر الناس عنه فاق به التفوق ، بلغ به مرتبة عظيمة لمن حوله لكنها حتي الآن لم تبلغ منه شيئا بل يسعد بها كذلك وينتظر المزيد.
ويوما ما يتقابل الشابان فيتحدثان ويخبر كلا منهما الآخر ، وحينما ينتهي كلاهما من الحديث ، يبكي الشاب الأول، ويبتسم الآخر ويقول له :
يا أخي إن تلك الوسائل التكنولوجية والتواصل الاجتماعي التي يراها البعض خادعة لم تكن يوما سببا لشعور بالوحدة وما شابه ذلك ، إن شعور الوحدة الذي تعانيه اليوم لهو وباء أمرضت به نفسك وما هو بوباء ، حقا أخبرنا الرسول الكريم ألا يتناجي اثنان دون الثالث لكن الثالث في تلك الحالة هو من أعرض.
يا أخي أنا أمامك توافرت ظروفك أمامي فلم أقبلها ، عاهدتها أني سأجد أفضل منها ، كانت الوحدة كما هو واضح أسلوب حياة كثير منا.
لكني لم أك وحيدا يوما ، أنا دوما ما كنت محاطا بأفكاري ، بآمالي التي ما كانت تتحطم وتتجدد ولا أفر منها ، لقد كنت محاطا بوسائل التكنولوجيا البغيضة لهم والتي مكنتني من الوصول إلي هنا اليوم.
يا أخي لم يكن يوما أديسون ليصل إلي مصباحه وهو مشتت بين الناس ، ولا زويلا ليصل إلي اكتشافه وهو بيننا هنا ، ولا غيره من الكثيرين.
يا أخي هؤلاء المهمشون هم من خلقوا من وحدتهم مستقبلا بارعا ، هؤلاء لم يتركوا شيئا عظيما ولا ربا عظيما ، هؤلاء كانوا بمفردهم ، لكنهم يثقون بأنفسهم .
هؤلاء كانوا يفرون من ضوضاء الآخرين وفشلهم ، كانوا يرغبون التميز ، هؤلاء لم يكونوا إنطوائيين كما يوصفون بل كانوا أحرارا فلا اهتماما يطلبه أحدهم ولا لهوا مرفوضا ، كانوا مدركين لحقيقة أنفسهم ولأهمية ما يفعلون ، كانوا يبحثون عن ذاتهم قبل كل شيء.
كانوا يحاولون في صمت أيضا ويفشلون ويلجأون لربهم ويتضرعون ويستنشقون نفسا وأملا آخر ويعاودون المحاولة.
فقط أنت قريبا أو بعيدا من مفترق الطريق لكن العودة والسير بيدك وعقلك ، فلا تترك الموج يحركك ساكنا ، ولا تسر مع اتجاه الموج دوما ، حارب تمالك ذاتك ، واكتسب من النخل صلابته حين الحاجة ومن الأسماك مرونتها حين الحاجة أيضا.
فقط اجعل من أفكارك وأهدافك صديقا لك ، وحينها ستجدهم وستجد الآخرين يلتفون بك.
وحينها سترضي ويرضي ربك ، وحينها ستفخر بوحدتك التي تمقتها.
هنا فتي يسطر حروفا حمقاء ، لم يكف عنها حيث لم تتركه الوحدة طيلة حياته💔