هنا فتي يسطر حروفا حمقاء ، لم يكف عنها حيث لم تتركه الوحدة طيلة حياته💔
هنيئا لك💙
ذهبت ذات يوم إلي شيخي ، قطعت عليه خلوته وجلست إليه كعادتي ، وكعادته يحدثني و نتبادل الكلمات سويا ، دوما ما كنت أنا من يملك زمام الحديث .
تلك المرة كانت مغايرة عن سابقها ، جلست إليه شاحبا صامتا ، لم نتبادل شيئا سوي نظرات الأعين ، لم تختلف عن نظرة الطبيب إلي مريضه أثناء الدخول عليه ، وجدته علي غير العادة يتفحصني والبسمة تملأ ثغره ، لم أسأله ولم يبلغ الفضول مني ذلك المبلغ.
وعقب دقائق من التفحص وجدته يوجه إلي صاعقة فقال :
" هل رضيت ؟ "
فتملكني الصمت ، وطأطأت عيناي متفحصة الأرض.
فوجدته يسأل أخري ويقول:
" أم هل عانيت الرفض ؟ "
وهنا بكيت ، لم تستطع عيناي أن تصمد طويلا ، وعلي مثيلها كان صاحب عملي -لساني- لم ينتظر بعد ولم يرض الصمت، وخاطبته قائلا:
بلي يا شيخي ، لقد عانيت الرفض فتملكني الحزن وسُلبت سعادتي ولم أكُ راضيا ، لم أرضَ يا شيخي!
فرد متسائلا :
" ولم كل ذلك؟ "
أ علمت أن الله قد أصدر فرمانا بطردك من الجنة وأسرك بين النيران ، أم ارتكبت خطيئة هوت بك إلي الجحيم ؟
هل أشركت ؟ ، هل زنيت ؟ ، هل قتلت دون وجه حق ؟
لم أكترث حينها لكلماته فأجبته قائلا :
لا يا شيخي ولكني تمنيت وسعيت ورُفضت!
رُفضت فتاة أحبها ، وسُلبت حلما دراسيا عظيما ، وقلبا يرغب هدوءا ، أصبحت لا أنام الليل ، لم يكن مكاني بين تلك الضوضاء ، لقد كان مكاني هناك بين من تمنيت أن أكون بجوارهم.
رغم إيماني الشديد الذي تشهد عليه لكني أصبحت أتساءل لماذا يحدث هذا ، وجدت نفسي تسأل الله لماذا يحدث هذا ، وتناسيت أن تلك الأسئلة لا تصح لمثلي ، لكني والله يا شيخي قد تملكني اليأس ، والحزن
يا شيخي لقد رفضني المجتمع بأكمله ، حتي أنني ظننت أن الله رفضني فجعل الرفض علي جبهتي.
فابتسم الشيخ وقال
هنيئا يا لك يا ولدي ، لقد ابتلاك الله في أشد ما تحب ، وهنيئا لك مرة أخري فلقد أيقظ الله قلبك.
تعجبت واندهشت وأخبرته:
أتيتك أخبرك عن أحزان وآلام فتقول هنيئا ، أ تسخر مني يا شيخ؟!!
فقال:
يا ولدي ليس هذا بعقاب ولا عذاب بل إنه ابتلاء واختبار ، فربك الرحمن الرحيم لا يبتلي عبدا لا يحبه ، ولا يختبر عبدا ليضعفه ، ولا يقبض روح عبد يحبه دون أن ينقيه ويأخذ عنه ما يشوبه من الخطايا.
يا ولدي ليس الذي في قلبك هو الحزن ولا الألم ، وإنما هي حرب بين النقاء والشوائب ، حرب الصواب والخطأ ، حرب الفطرة والمجتمع.
نعم عانيت الرفض ، لكن هل لا يكفيك قبول رب الرافضين
عانين الحزن ، أفلا تكفيك سعادة رب المحزنين وهو يري عبده يُنقي مما علق به.
يا بني مُنعت فتاة تحبها لأنها لا تملك سعادتك وربما لا يكون منعا بل احتسبه تربية وتهذيبا.
مُنعت حلما ، لكنه لم يكن خيرا، ربما كانت فيه تعاستك وشقاؤك.
سُلبت الراحة والسعادة من قلبك ، أفلا تظن برب القلوب ظنا حسنا ، أفلا تري أنه مقلب القلوب ، فاسأله أن يثبت قلبك ، ولعل الحزن الذي يري قلبك يعانيه هو خالق الرحمة والحنان. والسعادة في قلبك.
يا لدي المرأة لم تأبه لحمل جنينها ولا لآلام مخاضها ، ولا لمشقة رضيعها ، وإنما تبلغ البصيرة منها غاية أخري ، تبلغ منها نظرة لطفلها ترضي بها.
يا ولدي الزم دعائك ، الزم رضاك وقناعتك وتحمل فالحياة الدنيا دار مشقة وأرق ، لقد أخبرك ربك أنه خلقك في كبد ومشقة.
أعلم أن تلك الصفات شديدة لكنها ليست بمحالة علي المؤمنين.
يا بني إن نفسك التي بين جنبيك لا تأبه لحديث عقلك لكنها تنخدع بما تفعله.
يا ولدي اخلق لها عالما من البهجة مهما ضاقت بك السبل ، مهما رفضك المجتمع، مهما أحاطت بك المشاكل الأسرية ، مهما تطاولت عليك الليالي المحزنة.
أخبرها أن ربي الله ، لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وأنه سيرضيها إذا قنعت ، إذا صبرت .
ابحث دوما عن الجلد واهرب من الفزع والهلع.
يا فتي احمل همومك وحياتك الدنيا بكفيك وقدمها لربك علي سجادتك.
فر إلي الله بها وقدمها إليه ، فوالله لن يخيبك الله.
يا فتي هنيئا لم كان محبوبا عند ربه
هنيئا لك
هنا فتي يسطر حروفا حمقاء ، لم يكف عنها حيث لم تتركه الوحدة طيلة حياته💔