Oktob
مدونين جددالأكثر مشاهدةأحدث المقالات
د

مدة القراءة: دقيقة واحدة

الحسد

الحسد: تمني زوالُ النعمة عن صاحبها – وإن لم تنتقل النعمة للحاسد - سواءٌ كَانَتْ نعمة دينٍ أَوْ دنيا، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء : 54].

عن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: « إيَّاكُمْ وَالحَسَد؛ فَإنَّ الحَسَدَ يَأكُلُ الحَسَنَاتِ كَمَا تَأكُلُ النَّارُ الحَطَبَ» أَوْ قَالَ: ( العُشْبَ ). [1] 

وعن الزُّبَيْر بْن الْعَوَّامِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: « دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِىَ الْحَالِقَةُ، لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ. ».[2]

 

وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا».[3]   

فنهى الإسلام عن الحسد وشدد النكير على فاعله لما له آثار سلبية على أواصر المحبة والتآلف والتعاضد في المجتمع، فضلاً عن كونه تسخطاً وتذمراً من قسمة رب العالمين.

يقول الصنعاني: وَوَجْهُ تَحْرِيمِ الْحَسَدِ مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ تَسَخُّطٌ لِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ عِبَادِهِ عَلَى بَعْضٍ؛ وَلِذَا قِيلَ:

أَلَا قُلْ لِمَنْ كَانَ لِي حَاسِدًا       أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْت الْأَدَبْ

أَسَأْت عَلَى اللَّهِ فِي فِعْلِهِ          لِأَنَّك لَمْ تَرْضَ لِي مَا وَهَبْ [4]

يقول ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:﴿ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض [النساء: 32] لا يتمنى الرجل فيقول: ليت لي مال فلان وأهله، فنهى الله سبحانه عن ذلك، ولكن ليسأل الله من فضله. [5]  

فَإِذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى أَخِيك نِعْمَةً فَلَكَ فِيهَا حَالَتَانِ، إحْدَاهُمَا أَنْ تَكْرَهَ تِلْكَ النِّعْمَةَ وَتُحِبَّ زَوَالَهَا وَهَذِهِ الْحَالَةُ تُسَمَّى حَسَدًا، الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا تُحِبَّ زَوَالَهَا وَلَا تَكْرَهَ وُجُودَهَا وَدَوَامَهَا لَهُ وَلَكِنَّك تُرِيدُ لِنَفْسِك مِثْلَهَا فَهَذَا يُسَمَّى غِبْطَةً، فَالْأَوَّلُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا نِعْمَةً عَلَى كَافِرٍ أَوْ فَاجِرٍ، وَهُوَ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى تَهْيِيجِ الْفِتْنَةِ وَإِفْسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإِيذَاءِ الْعِبَادِ ، فَهَذِهِ لَا يَضُرُّك كَرَاهَتُك لَهَا وَلَا مَحَبَّتُك زَوَالَهَا ، فَإِنَّك لَمْ تُحِبَّ زَوَالَهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ نِعْمَةٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ هِيَ آلَةٌ لِلْفَسَادِ.[6]

فالحسد المسموح به فقط هو الغبطة كما مر، مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام:  «لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ »[7] الْمُرَادُ أَنَّهُ يَغَارُ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ فَيَقْتَدِي بِهِ مَحَبَّةً لِلسُّرُورِ فِي هَذَا الْمَسْلَكِ ، وَلَعَلَّ تَسْمِيَتَهُ حَسَدًا مَجَازٌ ، وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَسَدِ وَأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ. [8]

وقد يقع من الإنسان الحسد بدون قصد أو سبق تفكير، فعليه أن يدفع هذا الأمر عن نفسه خشية الوقوع في الإثم، وعملاً بقوله ﷺ: « ثَلَاثٌ لَا يَسْلَمُ مِنْهُنَّ أَحَدٌ: الطِّيَرَةُ وَالظَّنُّ وَالْحَسَدُ. » قِيلَ: فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إذَا تَطَيَّرْت فَلَا تَرْجِعْ، وَإِذَا ظَنَنْت فَلَا تُحَقِّقْ، وَإِذَا حَسَدْت فَلَا تَبْغِ ».[9]  فالْحَاسِدُ إنْ وَقَعَ لَهُ الْخَاطِرُ بِالْحَسَدِ فَدَفَعَهُ وَجَاهَدَ نَفْسَهُ فِي دَفْعِهِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بَلْ لَعَلَّهُ مَأْجُورٌ فِي مُدَافَعَةِ نَفْسِهِ. [10]

فصدر الحسد عن الإسلام مذموماً مكبوتاً، فلا يضر الحاسدُ المحسودَ في شيء، لا في الدين ولا في الدنيا، إذ لا تزول نعمة بحسد قط وإلا فلا يكاد المرء يجد نعمة على أحد من كثرة الحاسدين؛ فلا يحصد الحاسد من حسده إلا الوبال والحسرة، والخزي والوزر. وبالوقت نفسه ندب الشرع لصاحب الحاجة أن يكتمها عن الآخرين ولا يعلنها خوفاً من فواتها أو حصول مطلبها تنزهاً عن حسد القلوب المريضة.

فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اسْتَعِينُوا عَلَى إنْجَاحِ الْحَوَائِجِ بِالْكِتْمَانِ، فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ».[11]

د. بشار القهوجي

[1] . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وابن ماجه وضعفه الألباني.

[2] . أَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، وتتمة الحديث: وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ - أَوْ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ - لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَلِكَ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ.

[3] . أخرجه مسلم.

[4] . سبل السلام - (7 / 128).

[5] . تفسير ابن أبي حاتم - (18 / 301).

[6] . سبل السلام - (7 / 128).

[7] . أخرجه الشَّيْخَانِ عن ابْنِ عُمَرَ.

[8] . الزواجر ابن حجر المكي: 1\112.

[9] . أَخْرَجَه البيهقي وعَبْدُ الرَّزَّاقِ واللفظ له عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ورواه أبو الشيخ في التوبيخ والطبراني في الكبير عن حارثة بن النعمان، ورواه رسته فِي الْإِيمَان عَن الحسن مرسلا وضعفه الألباني.

[10] . سبل السلام - (7 / 128).

[11] . أخرجه العقيلى، والطبرانى، وأبو نعيم فى الحلية، والبيهقى فى شعب الإيمان عن معاذ بن جبل، وصححه الألباني.


هذه التدوينة كتبت باستخدام أكتب

منصة تدوين عربية تعتمد مبدأ البساطة في تصميم والتدوين