عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة).

هو غريزة تنبثق من ذات الإنسان، وسيلة إحسانٍ وهبة من الرحمن، قيمة ثمينة وسمة من سمات النبلاء وعطاء بلا مقابل. أداة فعالة لإصلاح النفس وإعمار الأرض، وجوهر للحياة الإنسانية الكريمة.

خلقت نفس الإنسان ناقصة ومحال أن تصل إلى درجة الكمال، فالكمال لله وحده تعالى لكن مازال الإنسان بطبيعته يملك احتياجات نفسية أو مادية ناقصة يسعى دائمًا لإصلاحها إما بمجاهدة نفسه للأفضل والبحث عما يشبع رغباتها، أو بمد يد العون لغيره ليحقق الشعور بالرضا عن نفسه وجبر تلك الحاجة أو النقص الداخلي، ومن أحد الوسائل التي تعين الفرد على إصلاح نفسه هي مساهمته وعطاءه المستدام لمن حوله عبر العمل التطوعي.

ما هو التطوع؟

إن التطوع أو كما يعرف أوعمل الخير، هو المبادرة والمساعدة والعطاء الذي يندفع من الفرد باختياره والرغبة بخدمة من حوله بدون انتظار أي مقابل مادي أو معنوي. حب الخير والمساعدة بذرة وغرسًا طيبًا يعود نفعها أولاً على صاحبها حتى تنبت وتزدهر ويفوح أريجها بالنفع على من حولها، والنفس التي جبلت على حب الخير ونشر السلام والإحسان لغيرها هي نفس سخية رحبة قد يسر الله لها التوفيق وأعانها على الاجتهاد لخدمة العباد. وقد حث ديننا الحنيف على عمل الخير منذ عهد الأنبياء المرسلين وعهد المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم، وكان يشجع الفرد المسلم على المبادرة والعطاء في كثير من القصص والمواعظ والحكم في القرآن الكريم والسنة النبوية، قال تعالى: {ومن تطوع خيرًا فهو خير له}.

كما أن التطوع يلعب دوراً حيوياً في التأثير على صحة المتطوع النفسية والجسدية، فهو يخلق مناعة قوية وصلبة داخل روحه وجسده تمده بالتأثير الإيجابي وتبعد عنه الأحزان والأسقام، ذكر هارفي مايكنون في كتابه قوة العطاء: أن هناك دراسات أظهرت أن الأشخاص الذين يمارسون قدراً كبيراً من الإيثار – أي تفضيل الآخرين على أنفسهم – يتمتعون بتدفق أكبر من الإندورفين، وهذه الكمية يمكن أن تعطي دفعة للجهاز المناعي، الأمر الذي يساعده على التعافي سريعاً من العمليات الجراحية ويقلل من الشعور بالأرق وعدم الارتياح.

من أعظم ثمراته هي حصول الأجر والثواب من الله وثم تحقيق سبيل السعادة الغامرة والرضا في روح الفرد وزيادة الشعور بأهمية وجوده في الحياة، وكما أنها تجلب المنفعة للمجتمع بمساعدته وإصلاحه وإكمال ما ينقصه من جميع الجوانب المختلفة. ولا يمكن أن تقوم مجتمعات الدول العظيمة بدون تحقيق وإبراز دور مجتمعها وتشجيعه على التفاعل بين أعضائه، فالدولة الناجحة هي التي حققت التفاعل والموازنة بين عناصرها الثلاثة: دور الحكومة والقطاع الخاص ودور المجتمع المدني المتماسك.

ومن أبرز الأمثلة للدول الناجحة والمتقدمة دولة المملكة العربية السعودية ودورها في تشجيع المجتمع المدني على العمل التطوعي فهو عنصر مهم ضمن الركائز الأساسية لتحقيق رؤية 2030. فقد سعى ولي العهد محمد بن سلمان -حفظه الله- لوضع الخطة الناجحة لتطوير جانب العمل التطوعي والخدمة المجتمعية في كافة المجالات وحرص على غرس ثقافة التطوع في المجتمع وتحفيز المتطوعين والمتطوعات والإسهام لتحقيق الهدف عن طريق رفع نسبة التطوع لتصل إلى أكثر من 33% في المملكة بحلول عام 2020م.

التطوع وسيلة من وسائل التنمية الفعالة للإسهام في نهضة مستقبل المملكة المشرق، وما زال سعي وجهود مملكتنا الحبيبة مستمرًا لرفع نسبة الوعي بأهمية العمل التطوعي في المدارس والجامعات وجهات العمل وذلك بدعم الكفاءات الشابة وإنشاء المؤسسات التطوعية وإقامة الأنشطة والفعاليات والدورات التدريبية وبرامج الخدمة المجتمعية في شتى القطاعات المختلفة. وكانت أبرز نتائج تلك الجهود هي تنمية المجتمع وتحسين نمط حياته وفرض المساواة فيه بين أفراده والاستفادة من قضاء أوقات الفراغ بالقيام بالأعمال الخيرية النافعة، والحد من السلوك المنحرف لدى الشباب العاطل.

انطلاقًا من الرغبة المُلحة في تمكين القطاع الخيري ونشر ثقافة التطوع، أًصبح ذلك التمكين على أرض واقع المملكة العربية السعودية حقيقياً وملموساً بعد ما ظهرت المؤسسة الناجحة مسك الخيرية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان -حفظه الله- وجهوده المبذولة، وبما أن الأمل الكبير في الشباب أتاحت المؤسسة فرص التطوع العديدة لشباب وشابات المملكة في عدة المجالات المتنوعة، وهذا مؤشر إيجابي على حرص القيادة السعودية واهتمامها بنهضة المملكة وعزمها على التطوير في جوانب الحياة المجتمعية وذلك عن طريق الاستعانة بسواعد شبابها القوي.

التطوع غرس طيب وسمة نبيلة لتهذيب النفس وتربيتها وصلاح الأمم وفلاحها، فواجب علينا العناية بذلك الغرس جيدًا والاهتمام به وإعمار الأرض التي نعيش فيها بحبٍ وإخاء.