الوطنية البدائية
يقول جورج أورويل : "لم يكن من المرغوب فيه أن يكون لدى عامة الشعب وعي سياسي عميق , فكل ما هو مطلوب منهم وطنية بدائية يمكن اللجوء إليها حينما يستلزم الأمر".
هذه الوطنية البدائية كما يسميها أورويل هي وطنية مشوهة، غالبا ما تروج لها السلطات من خلال وسائلها المتعددة، من نخب مستأجرة ومنصات إعلامية وجيوش الكترونية ، والأخيرة هي الوسيلة الأحدث تقريبا .
بداية يتفق الجميع أن الوطنية تعني حب الوطن وتمني الخير والصلاح له ، لكن الاختلاف يكمن في مقتضيات هذا التعبير . يرى أصحاب الوطنية المشوهة وغالبهم من عوام الناس وبعض المستأجَرين أن الوطنية تعني الوقوف الدائم مع الحكومة ، وأن أي اعتراض على قرار أو ممارسة حكومية تعني الخيانة الوطنية العظمى . من هذا نفهم سبب ترويج الحكومات لهذا النوع البدائي من الوطنية كما يسميه أورويل .
أما الوطنية الحقيقية فترى أن هذا المفهوم المشوّه يناقض أصل تعريفه أي تمني الخير للوطن .
لو كنتَ مثلا موظفا في شركة ما وهناك موظفون كثر ، قسم منهم يوافق الرئيس في كل قراراته ، خاطئها وصائبها ويثنون ويمجدون كل قرار يتخذه. وقسم ثانٍ يعترض وينتقد إذا ما بدا له أن قرارا ما سيؤثر على سمعة الشركة ويعرقل مسيرة تقدمها. لا ريب أنك سترى القسم الثاني هم الأجدر بصفة الولاء والصدق وهم الأنفع للشركة من القسم الأول .
هذا المثال وإن رآه البعض تسطيحا للمسألة إلا أن التأمل العميق يقول أن مسألة الوطن تطابق هذا المثال بحذافيره . هناك مطبلون كثر يدعون أن فعلهم هذا وطنيةً صادقة ويرون المنتقدَ والمعترض مجردا من والوطنية ، وهذا صحيح هو مجردٌ من وطنيتهم البدائية والمشوهة .
إذا وضعنا مقياس الوطنية الصادقة في "تمني الخير للوطن" فمن باب أولى أن المعترض والمنتقد هو الوطني الصادق ، لأنه لم يفعل هذا إلا إرادةً للإصلاح وحبا في الوطن . وأن الذي يصفق لكل الممارسات الحكومية حتى الخاطئ منها ، هو الأجدر بصفة الخائن لأنه -حتى وإن لم يشعر بهذا -يتمنى الأسوأ للوطن بهذه الموافقة المطلقة .