Oktob
مدونين جددالأكثر مشاهدةأحدث المقالات
غ

صحافية وكاتبة لبنانية - صحافة إجتماعية وفنيّة - مُحررة صحفية - شاعرة غنائية

مدة القراءة: دقيقة واحدة

الأم التي تشبهني

عزيزتي الأم التي رزقها الله بطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة والذين أطلقوا عليهم لقبًا جديدًا وهو "أصحاب الهِمَّم". إنكِ تشبهينني كثيرًا بمقاومة الحزن. لا ننكر بأننا لم نصدّق ذلك الطبيب الذي أخبرنا يومًا ما بأن طفلنا ليس بخير ويحتاج لمن يساعده ولن يقف أحد إلى جانبه، وما زلنا حتى يومنا هذا لا نصدقه. لقد قدَمت لنا الحياة معركة ستدوم إلى حين موعد الممات. إنها معركة لم نطلبها أبدًا، فُرِضَت علينا دون استئذان واجتاحت أعماقنا بالخيبة. إن تَحَمُّل الألم مُهمة ثقيلة جدًا على نفوسنا، فهذا الألم جزء لا يتجزأ منّا، على وجه الخصوص عندما لا يستطيع أبناؤنا أن يأكلوا بمفردهم، وألّا يناموا جيدًا أو أن يتكلموا بوضوح، ثم يعبِّرون لنا بالعنف والصراخ وبإيذاء أنفسهم من غير الشعور بألمهم وألمنا، وعندما تبدأ تلك العوارض فمن الصعب التحكّم بها، وكذلك يؤنبنا ضميرنا إن ذهبوا بعيدًا عنّا ونبذل مجهودًا يفوق الوصف لإخفاء اشتياقنا لهم.
أحيانًا قد نواجه أيامًا سلبية، لا نتوقع شدّة قساوتها علينا ولا نتوقف عن التفكير بمصير أولادنا عندما نرحل من على سطح الأرض نحو السماء، فنفقد الأمل وتتدهوّر صحتنا. لكن صدقيني، نحن لا نملك أي لحظة للحزن وغير مسموح لنا أن نكون تعيسات، وليس لدينا الوقت لنتوقع المساعدة من أحد. نحن نقدم الكثير على حساب راحتنا، وليس لدينا ما يكفي من العُمر لنفكر بالآلام والكآبة والاكتئاب فهناك من يحتاج إلينا مدى الحياة. نحن نعترف بالحقيقة، لكننا لا نستسلم لها ولا نعترف بضعفنا وهشاشتنا أمام الآخرين، قوتنا الوهميّة لا وجود لها ولكننا نصنعها بغريزة الأمومة اللامتناهية.
يا عزيزتي، نحن بداخلنا بركان يكاد أن ينفجر من ارتفاع حرارة القلق ونيران قلوبنا الموجوعة. بركان لا يهتم به أحد إلّا أولئك الذين يتقاسمون معنا تفاصيل المعركة في الضفة الأخرى من هذا العالم. إن أطفالنا يشعرون بنا ولا يجوز لنا أن نتألم، لأننا لو فعلنا سيأتلمون مثلنا تمامًا. يوعدنا الوقت بالطمأنينة  أحيانًا وآخر يجبرنا على النهوض من سريرنا للمواجهة حتى إن لم نكن بكامل وعيّنا. نحن لا نستطيع النوم، لا تزورنا الأحلام ودموعنا الخفيّة اليقِظة ترافق عيوننا. دعينا يا عزيزتي ألّا نقسو على أنفسنا كثيرًا، ألّا نشعر بالذنب وألّا نهتم بآراء الأخرين. لنأخذ قسطًا سريعًا وصغيرًا من الراحة، فنحن أمام معاناة فلذة أكبادنا وتأثير الأدوية عليهم والعلاجات المكلفة ونعلم كيف يواجهون حياة لا تنتمي إلى عالمهم البريء والصادق. إنهم الحب الحقيقي بلا مقابل. دعينا نقاوم العجز ولنحطمه إلى الأبد لأجلهم حتى لو لم نهتم بأنفسنا حين يغلبنا التفكير بهم والشوق إليهم والقلق عليهم.
إن طريقنا معًا تملؤه الأشواك ولكن تذكري بأن الأشواك تحمي ورودها من الأضرار. دعينا نبقى كالورود لنزيّن أيامنا بألوانها وبعناقنا لأريجها. كوني بخير أيتها الجميلة المناضلة ولا تنسي أن تبتسمي أمام عدسة الحياة لأن لكل صورة ذكراها التي لا تعود. 

مع محبتي العميقة،
غادة مخُّول


غ

صحافية وكاتبة لبنانية - صحافة إجتماعية وفنيّة - مُحررة صحفية - شاعرة غنائية

المزيد من الكاتب

هذه التدوينة كتبت باستخدام أكتب

منصة تدوين عربية تعتمد مبدأ البساطة في تصميم والتدوين