Oktob
مدونين جددالأكثر مشاهدةأحدث المقالات
م

ذو صداع مزمن، في صدره بقايا طفل. تغيير العالم ليس من أولوياتي

مدة القراءة: دقيقة واحدة

هل اللاجئين السوريين كارثة على أوروبا؟

إن المقالة ليست محاولة انتقاص لأوروبا ولا إطراءًا للنظم العربية المتهالكة، لكنها رؤية للأمور وفق سياقاتها

بدأت الثورة السورية مع موجة الربيع العربي  سلميةً تُطالب بإنهاء الظلم المتمثل في نظام الأسد. جزء كبير من هذا الظلم المتفشي في المنطقة امتداد من عصر الاستعمار الأوروبي، واستمر حتى هذا اليوم تحت ظل الحكومات العربية الوظيفية، والتي تدعمها "دول العالم الأول" لحفظ مصالحها في المنطقة، فاستمر التدخل الأوروبي الأمبريالي في المناطق العربية تحت شعارات متعددة. وما الشعب السوري إلا ضحية ولغ في دمها بشكل فج كلٌ من إيران وروسيا، مع تقصير عربي في دعم الثورة، وصمت أمريكي وأوروبي مطبق. ومع استمرار تدفق شلال الدم بيد النظام، تحولت الثورة إلى التسلح كخيار لا مناص منه.

بدأت المليشيات في السيطرة على مناطق في سوريا، وبدأ النظام "الممانع" نزهة رمي البراميل لضرب الحاضنة المليشيات الشعبية، تمامًا كما يفعل جيش الاحتلال مع حماس في قطاع غزة. قاد هذا كثير من الأسر إلى الهروب من الرعب والموت إلى دولٍ الجوار. تقع تركيا في رأس القائمة التي احتوت الهاربين من براميل النظام، ثم البلد الصغير لبنان، فالأردن ثم باقي الدول العربية كما يوضحه الرسم البياني:

Image title

بينما لم تستقبل أوروبا حتى الآن سوى ٦٪ منهم، لكن الآلة الإعلامية الجبارة لتلك الدول، إلى جانب كونها حرّة عن السيطرة الحكومية، ما يعطيها مزيدًا من المصداقية مقابل الإعلام العربي، أبرزت قضية لاجئي أوروبا فجعلت الأمر يبدو أكبر مما هو عليه في الحقيقة، وهو جليّ لمن تجرد من عقد الانتقاص التي يعاني منها الكثير لأي جهد عربي مقارنة بالأوروبي. هذا لا يعني بالطبع أن استقبال أوروبا للفارين براميل النظام أمر ليس بالجيد، على مستوى أولئك الفارين على الأقل، ولكن السياق يوضح مدى الحجم الحقيقي للفعل مقابل ما صنعت تركيا وبعض الدول العربية رغم محدودية مصادر بعضها. المتابع للإعلام يظن لوهلة أن أوروبا هي الوجهة الأولى للاجئي العالم، ومن هنا يجدر التنويه أن أوروبا لم تستقبل من ٤٠ مليون لاجئ حول العالم سوى ٤ ملايين بينما يلجأ أكثرهم إلى أفريقيا! 

اللاجئين السوريين

جزء من ترحيب بعض الدول الأوروبية، كألمانيا، بالمهاجرين يعود لأسباب سياسية واقتصادية في االمقام الأول. فأكثر الشعب الألماني يعتقد بأن المهاجرين يجعلون البلد أقوى عكس ما تظنه بعض شعوب الدول الأخرى:

Image title

فالمجر مثلاً أصدر برلمانه قانونًا ينص على عقوباتٍ صارمة تشمل السجن على العبور غير القانوني للحدود! وقد ندد رئيس الوزراء المجري ڤيكتور أوربان وأعلن أن اللاجئين (قرابة ٢٠٠ ألف) يشكلون خطر على هوية أوروبا المسيحية (٧٤٠ مليون أوروبي!). وبتبريرات سخيفة تدعو للتندر في سياق السياسات العلمانية الإنسانية التي تتبجح بها دول أوروبا على "دول العالم الثالث"، لم تجد بعض الدول (كسلوفاكيا، وبولندا، والتشيك، وإستونيا، وبلغاريا) بأسًا بأن ترحب بالمسيحيين فقط من المهاجرين، والذين لا يعدون المئات. بينما لو فعلت ذات الفعل بعض الدول العربية، كالسعودية، لكان هذا متسقًا مع سياساتها التي تزعم أن الإسلام يمثل جوهر سياساتها. هو ليس تبريرًا لذاك على تلك، لكن الأخيرة -على الأقل- متسقة ومتصالحة مع ذاتها. 

التقصير العربي

لا شك أن هنالك تقصيرًا عربيًا، على مستوى الحكومات خصوصًا، في واجباتهم نحو ما يحصل في المنطقة، ولهذا التقصير تاريخ طويل جدًا وغير منكر أو مبرر منذ قضية الاحتلال الصهيوني لفلسطين. غاية المقال، أولاً، هو إدراك أن الاستقبال الأوروبي لنزر يسير من اللاجئين أمر حسن للاجئين أنفسهم من جهة، ولتشارك أوروبا الدفع لبعض ثمن عبثها بالمنطقة من جهة أخرى. وعلى الشعوب العربية، ثانيًا، أن تعي بأن مطالبة الحكومات بمزيدٍ من العمل لا يقدم ولا يؤخر كثيرًا في إنقاذ اللاجئين من الهلاك. فهنالك طرق كثيرة غير حكومية لإعانة السوريين والفلسطينيين وغيرهم من ضحايا التقصير العربي عن طريق المؤسسات الموثوقة، وكل حسب طاقته. أما المزايدة على ماذا صنعت حكومة (س) مقابل حكومة (ص) فلا طائل من وراءه إلا تفريغ بعض عقد النقص, أو توظيف معاناة اللاجئين لتصفية حسابات سياسية أو حزبية. وهذه عين الخسة وأحد أسباب تفاقم الأزمة. 


م

ذو صداع مزمن، في صدره بقايا طفل. تغيير العالم ليس من أولوياتي

المزيد من الكاتب

هذه التدوينة كتبت باستخدام أكتب

منصة تدوين عربية تعتمد مبدأ البساطة في تصميم والتدوين